آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

مذبحة بساتين العوالي

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

الدراما هي أهم الحقول الإبداعية التي تحاكي الواقع، والأعمال الدرامية التاريخية سواء كانت أفلاما أو مسلسلات تكون خاضعة بالضرورة للشروط الدرامية، التي من أبرزها التشويق والإثارة في الصراعات التي بالطبع لا تأتي على حساب الجوهر والمضمون، وهنا تظهر حرفية الكاتب الدرامي والمخرج في جذب المشاهد في التكثيف والتصعيد، وتكريس صورة الحقبة التاريخية في مجال العمل. وهذا يظهر بوضوح في المسلسل الدرامي التاريخي السوري «سفر برلك»، بتسميته التركية، ومعناه «النفير العام والتأهب للحرب». وهو أمر أصدره السلطان العثماني محمد رشاد 1914، يعتبر فيه كل شخص من مواليد ما بين «1869  1882» في أراضي الدولة العثمانية من المسلمين وغير المسلمين، مطلوبًا للخدمة العسكرية، ومن بينهم رعايا البلاد العربية والالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية.

المسلسل بدأ عرضه في محطة MBC خلال شهر رمضان وقد حظي حتى الآن بنسب مشاهدة عالية.

وأحد أهم الحلقات في هذا المسلسل الدرامي الرائع والتي تعد مؤثرة جدًا هي في تناولها لجرائم الدولة العثمانية بقيادة «فخري باشا» في فترة حكمه من 1916 وحتى 1919 والمذبحة التي وقعت في بساتين العوالي في المدينة المنورة، عاش فيها أهل مدينة الرسول الكريم مأساة لا يمكن تخيلها بأي حال من الأحوال، قام فيها «فخري باشا» بتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية عثمانية؛ مليئة بالجنود الأتراك، واقترفوا فيها جرائم إنسانية ضد الآمنين في حي العوالي، «فخري باشا» لم يلق احترامًا لا للرابطة الإسلامية ولا الإنسانية ولم يلق احترامًا حتى لمدينة رسول الله ولا تعظيمًا للشهر الكريم، حيث أن هذه الحادثة تزامنت مع شهر رمضان المبارك، وكل هذه الفجيعة كانت بحجة القضاء على الثوار العرب وتهجيرهم من المدينة، وكل من يرفض الانتقال من أهالي العوالي يتم قتله بالرصاص وقد أحرقت جثثهم من كثرة نيران المدفعية، فلم يجد أهلهم جثثًا ليدفنوها.

نعم هي جريمة لا تنسى ولا تغتفر، ويروى هنا عن أحد المشاركين في الواقعة أنَّ «فخري باشا» خدع مجموعةً كبيرةً ممن جاءوا له مستسلمين من أهالي العوالي، وما أن عادوا؛ حتى أمر قواته بالاقتحام، وقتل كل من يصادفهم من الأهالي، لذا وصل عدد القتلى إلى المئات، أكثرهم من الآمنين نساءً وأطفالًا وهذا غير الرجال المُسالمين الذين طلبوا منه الأمان. يقول المؤرخ «طلال الطريفي»: «إن أعداد القوات العثمانية الموجودة في تلك الفترة بلغت ثلاثة وعشرين ألفًا وثلاثمائة عسكري»، وقد أحرق كل بساتين العوالي الخضراء وحولها إلى رمادًا أسود.

هذا النجاح المبهر الذي أظهره المسلسل يكشف وبجلاء للناس، صورا ترسخت في العقل والذهن، وبالصوت والصورة ما لم يظهره المؤرخون حتى للنخبة المثقفة والواعية. واللافت أن بعد مشاهدتي الحلقة، وصلني مقطع فيديو لأهالي العوالي وهم مجتمعين على مائدة الإفطار الجماعي بكل ألوانهم وأشكالهم في هذا الشهر الفضيل في مشهد تفوح منه رائحة الورد والنعناع وفي أرض تلفها بساتين ونخيل، دمعة حزن على أهل العوالي أعقبتها دمعة فرحة بالعودة إلى أرض هذا الوطن.