آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

شهر التوبة 17

غاية المسلم في الدنيا الفوز برضوان الله، والابتعاد عن سخطه، فالفوز بالجنان يتطلب مخالفة النفس الامارة بالسوء، خصوصا وان النفس تدفع باتجاه ارتكاب المعاصي، من خلال تتزين تلك المعاصي للإنسان، مما ينعكس بصورة واضح على السلوك الخارجي، عبر الاقدام على ارتكاب الذنوب الكبار، بحيث يفقد القدرة على التحكم في النفس الامارة بالسوء، حيث تلعب الوساوس الشيطانية دورا في الاستسلام الطوعي لارتكاب المعاصي، ”وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ“.

العودة إلى الله يتطلب وقفة جادة مع النفس، والعمل على إعادة ترتيب الأمور، خصوصا وان محاسبة النفس عنصر أساسي في التوبة النصوحة، ”ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه“، وبالتالي فان الانسان بحاجة إلى خطوات عملية في عملية العودة إلى جادة الصواب، من خلال اتخاذ القرارات الصعبة، التي تسهم في الانطلاق مجددا، لاسيما وان باب التوبة مفتوحا على الدوام، ”لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ“.

لا يوجد أوقاتا مخصصة لاتخاذ قرار العودة وترك طريق المعاصي، فالمسلم قادر مراجعة الذات على الدوام، ”فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم“، وبالتالي فان المسلم قادر على تحديد مصيره الاخروي، من خلال انتهاج سبيل الحق، وعدم الركض وراء النفس الامارة، فالشيطان يعمل على تزيين المعاصي امام المسلم لارتكابها، ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ“.

طريق الجنة مملوء بالأشواك، والكثير من المتاعب في الحياة الدنيا، فالجنة تتطلب مجاهدة النفس على الدوام، من خلال المداومة على العبادات، وتطهير النفس عبر الكثير من البرامج العبادية، خصوصا وان ترويض الذات يساعد في التقريب خطوات نحو الجنان، والفوز برضوان الله، فالمسلم يحاول استغلال العمر القصير في الحياة بمزيد من العبادة، ”قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا“، ”إنما الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها“، و”أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم“

يشكل موسم شهر رمضان احد المواسم، القادرة على إعادة احياء النفوس، لدى المسلم، فالصائم يكون في عبادة لساعات طويلة، مما يسهم في التخفيف من قساوة القلوب، حيث تلعب الطاعات والعبادات على اختلافها عنصرا فاعلا، في العودة إلى جادة الحق، ”رضى الله سبحانه مقرون بطاعته“، وبالتالي فان الفوز برضوان الله مرهون بزيادة الجرعات العبادية على اختلافها، فالجنة تتطلب الكثير من الطاعات على الدوام، فالعملية ليست مرهونة بمواسم محددة، وانما العملية بحاجة إلى الإصرار على مقاومة مختلف أنواع الاغراءات الشيطانية، ”من أسخط بدنه أرضى ربه، ومن لم يسخط بدنه عصى ربه“.

فريضة الصيام احدى العبادات القادرة، على تكريس الإخلاص لله تعالى، خصوصا وان الصوم يختلف عن عبادة الصلاة، فالصيام لا يطلع عليه سوى الخالق، وبالتالي فان الصوم يلعب دورا فاعلا في عملية التقرب إلى الله، والحرص على اخلاص النية إلى الله عبر الالتزام بهذه الفريضة، التي يطلع عليها الله سبحانه وتعالى وحده، ”إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم“.

وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السَّجَّادُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ

الْحَمْدُ للهِ: الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لاحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ.

وَالْحَمْدُ للهِ: الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ، لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا.

كاتب صحفي