آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

أسر سورها محطم ‎‎

يحتل موضوع العلاقة بين أفراد الأسرة واتجاهاته وعمقه أو ضعفه منحنى مهما في حياة الفرد مستقبلا، وذلك أن محددات شخصيته وطريقة تفكيره وسلوكياته تتأثر بعاملين مهمين: الوراثة والبيئة، فشتان ما بين بيئة منغلقة أو مضطربة تسودها الخلافات وبين بيئة يتلقى فيها الفرد الأمان والعاطفة الأسرية، إذ يتأثر الطفل بطريقة تعامل والديه وإخوته مع المواقف الصادرة منهم وكلماتهم فينطلق من التقليد حتى يصل إلى درجة السلوك المستدام، وتهيئة البيئة الصحية من الناحية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية هي مسئولية الوالدين ويقع على عاتقهما بناء أسرة متماسكة ويسود بين أفرادها الاحترام والتفاهم والثقة المتبادلة، وأما الإهمال لرعايتهم وإظهار اللا مبالاة بضعف العلاقات بينهم فسيؤدي إلى تفكك عرى الأسرة، إذ يعيش كل واحد منهم عالمه الخاص ولا يبالي بغيره، فمن النتائج المؤكدة أن الوالدين سيجنيان الخيبة والخسارة وستظهر آثار تربيتهم الخاطئة مستقبلا، وتتبلور في إبراز أبنائهم بشخصيات غير سوية وما يصدر منها هي مواقف مهزوزة وغير متزنة، وما نراه من نقاط ضعف في شخصية الشاب والفتاة من ناحية الذكاء الاجتماعي هو حصيلة قلة اهتمام بتغذية هذا الجانب عنده من قبل والديه، وتلك الصورة المشرقة من الانجذاب بين أفراد الأسرة والتواصل بينهم بالتأكيد لم يأت من فراغ بل هو نتاج تربية وتعويد على ذلك.

والصورة المفزعة اليوم من الشتات والفرقة بين أفراد الأسرة والعلاقة السطحية بينهم لا بد أن تأخذ منا جانبا كبيرا من الاهتمام وتسليط الأضواء عليها، ولا يعني ذلك تقديم خريطة طريق لعلاج هذه المشكلة الأسرية، وإنما هي إطلالة سريعة لعلها تلقى النباهة لما آل إليه حالنا الأسري من سوء وفرقة غير مسبوقة ولا مقبولة.

العامل الأول للمشكلة - بالطبع - هو عمودا الأسرة وإهمالهم لهذا الجانب، وهو العمل على دمج الأبناء في بوتقة واحدة، وإتاحة الفرصة والوقت لهم للجلوس معا وتبادل الأحاديث والمشاعر والسؤال عن أحوال إخوانه، كما أن الجلسة والتشاور حول مختلف شئون الأسرة كالتخطيط للنزهات أو التغييرات في الأثاث المنزلي وترتيب الغرف وغيرها يولد شعورا ينمو ويكبر مع الأيام، وهو أنه ليس بمفرده بل هو جزء لا يتجزأ من كيان متماسك يتبادل فيه أفراده المحبة وتقديم المشورة.

العامل الآخر هو الاستغراق الكلي مع وسائل التواصل الاجتماعي وقضاء معظم الأوقات معها، ولا يشعر حينئذ بأنه جزء من منظومة أسرية، فكما أن له حقوقا ومتطلبات ينبغي تحقيقها كذلك عليه واجبات معنوية، وأهمها المشاركة الوجدانية مع إخوانه وتقديم أوجه المساعدة لهم، وحديثنا عن وسائل التواصل الاجتماعي لا يعني نظرة سوداوية تجاهها بل فيها مواد مفيدة بل وأضافت بعدا مهما للتواصل مع الآخرين، ولكن مكمن الخطأ في طريقة تعاطينا معها حتى وصل إلى مستوى الإدمان، ويكفي نظرة إلى بعض الأسر التي يلتقي أفرادها بأجسامهم ولكن كل واحد منهم غارق في عالمه الافتراضي الخاص به، وإذا ما أردنا أن نرى جلسات أسرية مثمرة ومعطاءة فلنبعد الأجهزة الذكية وحينئذ لن ينقلب الكون لو تخلينا عنها في تلك الأوقات، وسيجد كل واحد من أفراد الأسرة متعة بلون آخر من أنماط حياته ألا وهو التواصل مع إخوته وتبادل الأحاديث معهم.

ومن العوامل الهدامة طغيان الحالة المادية والخواء الروحي مما جعل تفكير الفرد متنمطا بالمصلحية الذاتية والعمل على توفير مستلزمات حياته وتحقيق الرفاهية لنفسه، مما يجعله يقصر في نظره باللا مبالاة بأحوال من يجتمع معهم تحت سقف واحد، وهنا يأتي دور الوالدين في تربية أبنائهم على بث روح المساعدة بين أفراد الأسرة، فالبنات تساعدن أمهن في تحمل أعباء المنزل وكذلك مشاركة الأولاد في تنظيف وترتيب المنزل، وهذه تعد اللبنة لتقوية أواصر المحبة والاحترام والتفاهم بينهم.

وفي الشهر الكريم هناك فرصة ذهبية ينبغي اقتناصها من قبل الأسر ألا وهي الاجتماع حول مائدة الإفطار، فالتشارك في إعداد الوجبة والعمل على تجهيزها تعد خطوة مهمة في سبيل تعزيز العلاقة بين أفراد الأسرة، ويستثمر الوالدان وقت الطعام لتبادل الحديث مع أبنائهم والاستماع لهم لتتبلور بينهم دائرة الانسجام والتقارب الوجداني بينهم.