آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

لماذا لا نستخدم كلمة شكراً؟

فاضل العماني * صحيفة الرياض

في قاموس/ عرف الكتاب والمثقفين، ثمة أفكار وموضوعات وقضايا، تُعدّ بمثابة الشلالات أو الأنهار التي تتدفق بكثافة وجمال، والكتابة عن الحزن الذي يتسلل لمشاعر ووجدان البشر، بسبب خيبات الأمل التي تُصيبهم من أقرب الناس أو من أولئك الذين قدموا لهم المساعدة والعون.

حينما سئل ذلك الجراح الأميركي الشهير عن سر كتابة العبارة ”لا تنتظر الشكر من أحد“ على صدر غرفة استقبال المرضى والمراجعين لعيادته، أجاب بكل بهدوء: ”لقد أنقذت أكثر من ثلاثة آلاف من المصابين بأمراض القلب المميتة، وكنت أنتظر من هؤلاء المرضى الذين أنقذتهم من الموت المحقق كلمة شكر أو عبارة امتنان، ولكنني بكل أسف لم أحصل على ذلك“، هذه القصة المعبرة/ المؤثرة قد تكون مناسبة للكتابة عن ظاهرة الجحود والنكران وعدم الشكر، وهي ظاهرة خطيرة تكاد تكون سائدة في كل المجتمعات والشعوب والأمم، ولكن بنسب ومستويات متفاوتة، تبعاً لمنسوب التمدن والتحضر والتطور لتلك المجتمعات والشعوب والأمم.

ولكي نعرف حقيقة هذه الظاهرة السلبية التي تنتشر بكثافة وتتمدد بتلقائية في بيوتنا ومدارسنا ومكاتبنا وشوارعنا وأسواقنا وفي كل تفاصيل حياتنا، نحن بحاجة ضرورية لتعريفها وتوصيفها.

وحتى لا أسقط في متاهة التعريفات والمصطلحات، أضع تعريفاً بسيطاً ومباشراً لظاهرة الجحود والنكران وعدم الشكر في مجتمعنا، وهي أن ”الشكر“ كلغة إنسانية راقية وكقيمة حضارية ملهمة شكل من أشكال العطاء والتقدير والامتنان، والبشر بمختلف ألوانهم ومستوياتهم ميّالون للأخذ والاستئثار والأنانية، وليس للشكر والعطاء والبذل.

حينما نعرف ذلك جيداً، سنتوقف عن الشكوى واللوم والعتب، سواء لأنفسنا أو للآخرين، ولن نشعر بالحزن والحسرة والندم على كل ما نقدمه من خدمات ومبادرات ومساعدات لأناس لا يستحقون كل ذلك - في نظرنا طبعاً - لأنهم بخلوا علينا بمجرد كلمة شكر أو لمسة امتنان!

لكل منا تجربة مريرة - بل عدة تجارب - مع الجحود والنكران وعدم الشكر، وحتى لا نشعر بالحزن والألم والحسرة في كل مرة، نحن بحاجة ماسة لمعرفة طبيعة الحياة وتفهم ظروف البشر، خاصة في حياة متسارعة لا تتيح لأحد حتى التقاط الأنفاس، فضلاً عن شكر الآخرين والشعور بالامتنان تجاه المحسنين.

حينما ”لا تنتظر الشكر من أحد“، سيكون سقف توقعاتك تجاه الآخرين، على علو مناسب، يُتيح لك مشاهدة حقيقة البشر، كما هم، وليس كما تظن أو تتمنى.