آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

مالم تنقله الكاميرا.. في حديث الجواهري

محمد رضا نصر الله جهات الإخبارية - صحيفة الرياض

بعدما انتهت المقابلة التلفزيونية التي استمرت زهاء الساعتين، دارت حول السيرة الذاتية الصاخبة لشاعر العراق والعرب الراحل محمد مهدي الجواهري.. نادى على ابنته «خيال» أن تقوم بواجب الضيافة.. الرقي حيث يذكره بطعم السنين الخوالي في العراق، والشمام «البطيخ الأصفر» الذي يتذوق معه حلاوة الطبيعة الشامية.

قال لي: كل من هذا الشمام.. إنه لذيذ جدا.. حتى أن أهل دمشق يسمونه أناناس!

قلت: يا أبا فرات.. أين الشاي؟.. إنني بعد هذه الجولة العبقرية في سرد تاريخك الشخصي المتلاحم بتاريخ العراق الحديث.. لا بد لي من رشفات شاي عراقي أصيل، أحبذ دوما تناوله حتى في بيتي ب «استكانة»!

محمد رضا نصر الله مع الجواهريتوقف برهة.. ليسألني: هل لك صلة قربى بالعراق.. إنني أعرف عائلة مرموقة المكانة تدعى عائلة القطيفي.. منها من دخل عالم الصحافة والسياسة والوزارة.

أجبته: كلا! لا توجد أية صلة، سوى الصلة الثقافية.. أما العائلة التي تشير إليها.. فمع أنها موجودة بالفعل هناك..

ولكن أتصور أنك تعني الأستاذ سلمان الصفواني، الذي التحق بحركة الإمام الخالصي الدستورية، وأصبح بعد ذلك صحفيا بارزا، عرف بمقالاته ذات النغمة العروبية.. هذا ما ذكره الأستاذ عبدالرزاق الهلالي مؤلف كتاب «زكي مبارك في العراق» مشيرا إلى تلاحي الصفواني الأدبي مع الأديب المصري.

هذا وقد أصبح في حكومة العارفين وزيرا لشؤون مجلس الوزراء مرتين، مكافأة لعداوته الضروس مع نظام عبدالكريم القاسم، الذي نفاه في بداية الستينات إلى خارج العراق.. فاختار القاهرة مهاجرا ومستقرا.

قال الأستاذ الجواهري: دعك من هذا الآن.. وعليك بأكل البطيخ الأحمر والأصفر.. وشرب القهوة المرة. ولنجعل شرب الشاي العراقي تحية لهذه السهرة على أن تأتيني من غد.. فإن لي معك حديثا قد يطول.

فاجأني أبو فرات بضيافته الحاتمية.. لكنه جعلني اتساءل عن مأنى الحديث الطويل في الموعد الذي اختاره.. فما عساه يريد مني؟

محمد رضا نصر الله مع الجواهريفي اليوم التالي توجهت إلى دارته، وهي عامرة بالحراس والسيارات الفارهة.. وحين أذن لي.. استقبلني بحيوية فائقة.. كان قد حلق ذقنه! وأمسك بيدي ليقودني إلى مجلس صغير اختاره للاختصار بي..

ومن فوره انطلق يبدي رغبة شديدة في زيارة المملكة.. معبرا أنها تلح عليه منذ قابل نائب الملك فيصل في زيارته إلى بغداد في سنوات الثلاثينات الميلادية.. وأردف: لعلك قرأت قصيدتي في مدحه حيث طلبت منه نشرها في جريدة أم القرى.. بل إنني أبديت رغبتي بأن يوصل إلى والده الملك العظيم عبد العزيز بن سعود أن أكون ضيفا عليه في السعودية.

أجبته: يا أبا فرات.. تلك كانت مناورة سياسية منك.. فبقصد تصعيد خلافك مع ملك العراق فيصل الأول - حتى توغر صدره بمديح فيصل السعودية ووالده الملك عبد العزيز.

انفرج وجهه عن ابتسامة ماكرة قائلا: هذا صحيح.. ولكن مدحي لعبد العزيز كان محض اعجاب شخصي بفروسيته العربية.. واليوم وأنتم أيها السعوديون تتمتعون بما قام به الملك عبد العزيز من دولة أصبح بحسب لها ألف حساب.. لماذا لا تساعدني على تلبية رغبة يمتد عمرها إلى أكثر من ستين عاما، بزيارة بلادكم.. إنني أسمع عن مهرجان الجنادرية.

محمد رضا نصر الله مع الجواهريأجبته: بلادي مفتوحة لزيارة أي مفكر وأديب وشاعر عربي.. فما بال الأمر مع شاعر شهير، يحمل على ظهره السجل السياسي والثقافي للعراق في القرن العشرين.. منذ

ثورة العشرين.. إن الجميع سيرحبون بك من القمة إلى وهنا وجدته يخط بيده المرتجفة اهداء معبرا على ديوانه كاتبا النص التالى، «إلى أخي وحبيبي الكريم.. أهديه إليك، ومعه فرط حبي وحميم اعزازي. المحب المعهود محمد مهدي الجواهري

بعد هذا التاريخ بأقل من عام قام بزيارته التاريخية إلى المملكة، ليشهد فعاليات الجنادرية للتراث والثقافة.. وما انتهى أمر الزيارة إلا بغضب الاعلام العراقي الذي استفزته زيارة الجواهري إلى المملكة، مما أدى بنزع الجنسية العراقية من أكبر رمز يلتقي عنده وعليه العراقيون بمختلف مشاربهم!

العجيب أنه قبل أن يطلق الاعلام العراقي النار على الجواهري.. كان يردد بينه وبين نفسه عند زيارته لمعالم الرياض أبياتا من شعره.. هذا وحين وقف على صحراء نجد

كأنه تذكر امتدادها الصحراوي في الكوفة والنجف فراح يتشوق إلى الأماكن القديمة في زمن طفولته وصباه ليقول:

حييت سفحك عن بعد فحييني === ما دجلة الخير يا أم البساتن

?app=desktop&v=cOg8V2eWqNg

نشرت هذه المقالة في صحيفة الرياض بتاريخ 25 ربيع الاخر 1418هـ