آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

الأنفاس الرحمانية أو الشيطانية

يحدثنا رسول الله ﷺ عن عظمة الشهر الكريم وما احتواه من خصائص ونفحات إلهية لا يمكن أن تجري في غيره من الليالي والأيام، وذكرها يوقفنا أمام مسألة الاستعداد الحقيقي وتطويع قوانا وقدراتنا لتكون في مجرى تحقيق الغايات والمضامين في هذه الفترة الزمانية المباركة، فأي عمل قبل أن نقدم عليه في حياتنا لا بد لنا من تكوين فكرة عامة عنه وعن المتطلبات والاستعدادات الخاصة به حتى نوفق في تحقيقها وإنجازها، والتعريف النبوي كما يحمل آيات البشارة فإنه يحمل إشارات التحذير والتنبيه، فالبشارة تكون لمن تعبأ وثابر وانخرط في ميدان العمل الصالح وصنع المعروف وانتظر في نهاية الدورة التدريبية تلقي الشهادة الخاصة به، والتحذير لمن تكاسل ومرت عليه هذه الفرصة الذهبية وكأن هذه المواعظ والتوجيهات لا تعنيه ولا تخصه، فالخطاب النبوي موجه لأصحاب العقول الواعية ممن إذا خاطبتهم تأملوا وتدبروا في الكلام ووضعوه تحت مجهر الفحص واستخلصوا منه الدروس والعبر، وجعلوا من تلك الومضات النيرة منهجا سلوكيا وعملا مستمرا لا يحيدون عنه، فلن يجد المؤمنون ناصحا أمينا كرسول الله ﷺ وحريصا على مستقبلهم الأخروي ويحوطهم بعين الرعاية والاهتمام الكبير حتى لا يضيعوا من حظوظهم الشيء الكثير، فالخطبة الشعبانية تحمل في طياتها بيان المزايا العالية التي أعدها الباري عز وجل لتعديل ميزان الأعمال لعباده وليظفروا برضوان منه.

وما نحن بصدده هو المقطع المتعلق بالجزاء الإلهي والصورة الرحمانية لأنفاس المؤمنين في هذا الشهر الكريم والتي تبلورها البركة الإلهية إلى تسبيح وذكر لله تعالى، والأنفاس البشرية «الشهيق والزفير» هي حركة لا إرادية للجهاز التنفسي ويتوقف عليها عمر الإنسان فيلقى حتفه لو انحبست أو توقفت، وتصدر من الإنسان بلا شعور بها وحتى في أوقات نومه العميق، ولكنها في ليالي وأيام شهر رمضان الكريم تحسب بأجر وثواب التسبيح، وهذا يدل على قمة العطاء الإلهي اللا متناهي ولطفه بعباده.

ولكي نتفهم هذا المقطع لا بد من الإشارة إلى أن شهر رمضان يمثل دورة تدريبية وتهذيبية للنفس وتخليصها من الآفات والمفاسد الأخلاقية، فالغاية من الصوم اكتساب ملكة التقوى والتحرز عن محارم الله تعالى وتكوين القوة الروحية المضادة لهتافات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فما إن ينتهي الشهر الكريم إلا وقد تسلحت نفسه في مواجهة تحديات الحياة وصعوباتها بالصبر والإرادة القوية، واستأنست نفسه بالأجواء الروحية فأصبح إتيان العبادات وقراءة الأدعية والمناجاة سهلا بل ومحبوبا يتوق إليه، وحتى في أوقات راحته ونومه يتمنى لو أنه استغنى عنها وتحولت إلى أوقات عبادية لعله يفي بشيء من شكر الله تعالى على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وهنا يتداركه اللطف الإلهي بأن تتوج جهود وسعي العبد المؤمن بجائزة لا تخطر على بال بشر، وهي أن الأنفاس اللا إرادية تحولت في دائرة المغفرة والرحمة الإلهية إلى أوقات ذكر مع أنه لا يحرك لسانه.

وهذه الجائزة الربانية لا تعني أن يقضي المرء معظم وقته في النوم وهو مقصر في إتيان الواجبات عليه، وإنما تعني المحاسبة والرقابة لنفسه وما يصدر منها بدقة متناهية تصل إلى التدقيق في كل كلمة وموقف وسلوك وتعامل يصدر منه، فإنه إن غفل عن محاسبة نفسه فملائكة الله تعالى تعد عليه أنفاسه، بل أجله المكتوب عليه مقدر بدقة حتى بعدد الأنفاس قبل أن يقبض ملك الموت روحه، وهذه دعوة لحفظ النفس من الوقوع في براثن المعاصي وإلا فإن أنفاس من اغتاب أو ظلم أو كذب أو نظرة حرام، هل يمكن أن تكون أنفاسا رحمانية أم هي أنفاس ونفثات شيطانية؟

نعم من الرحمات الإلهية أن الشياطين مغلولة وفي هذا مساعدة إلهية لمن أراد أن يصلح نفسه ويهذبها ويسعى سعيا رحمانيا في طريق الخير، ولكن ما الفائدة من غل الشياطين لمن يتحرك وفق وتحت إمرة نفسه الأمارة بالسوء، والتي تجول وتطوف به في كل طريق يؤدي إلى سخط الرحمن وحلول نقمته؟!

?