آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

شهر التوبة 10

محمد أحمد التاروتي *

البرنامج الروحاني اليومي يشكل انعطافة حقيقية للسمو الذاتي، فضلا عن قدرة البرنامج الروحاني في زيادة الارتباط بالخالق، الأمر الذي يساعد في صفاء النفس، مما ينعكس بصورة مباشرة على الجانب الأخلاقي، خصوصا وان الجانب الروحاني يفتح الطريق أمام الإنسان لتجاوز العراقيل المادية على اختلافها، من خلال التحولات الداخلية التي يتلمسها بشكل مباشرة عبر الاستمرار في أداء مختلف أنواع الطاعات، فالنفوس تجد الإقبال الكبير على الجوانب الروحانية طيلة شهر رمضان المبارك، نظرا لوجود المناخات المساعدة على زيادة الجرعات العبادية خلال الشهر الفضيل، الأمر الذي يستدعي استغلال هذه الحالة النفسية بمزيد من الطاعات، ”إن للقلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض“.

عملية تمحيص الذات والعمل على إزالة الشوائب العالقة على جدرانها، مرتبطة بالإرادة الصلبة للوصول إلى الصفاء النفسي، خصوصا وان التراخي والتكاسل يولد حالة من الضياع الذاتي، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الركون إلى الأرض، وعدم القدرة على النهوض بالذات للوصول إلى الغايات الكبرى، فالأهداف العظيمة تتطلب الصبر على المصاعب، والتحرك في اتجاهات متعددة، لتفادي الوقوع في المصايد الدنيوية التي تحيط بالإنسان من جميع الجوانب، خصوصا وان المغريات على اختلافها تدفع بالإنسان نحو الهاوية، ”إن النفس لأمارة بالسوء“.

الآثار المترتبة على تمحيص الذات عديدة، سواء على الصعيد الذاتي أو الاجتماعي، فعلي الإطار الذاتي، فإن الصفاء الروحاني يساعد في السمو والارتقاء في الحياة الدنيا، نتيجة الحرص على الالتزام بالأوامر الإلهية، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على العلاقات الخارجية، سواء في الوسط الاجتماعي الضيق، أو البيئة الاجتماعية الواسعة، بينما على الصعيد الاجتماعي فإن الطهارة النفسية عنصر فاعل في جعل الإنسان محورا حيويا في الوسط الاجتماعي، حيث تصبح هذه الشخصيات محل تقدير، وقدوة حسنة في البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يشجع على السير على هذه المنهجية لدى العديد من الفئات الاجتماعية، بحيث تصبح الطهارة النفسية عاملا محفزا على تحريك المجتمع بالاتجاه الأخلاقي، ونشر القيم الفاضلة على الإطار العام.

التحدي يشكل أحد المحفزات الأساسية في عملية التمحيص الذاتي، فالمرء الذي يحاول الوصول إلى الأهداف الكبرى، فإنه يعمل بكل جوارحه في سبيل تحقيق تلك الغايات المرسومة، حيث تمثل المواسم الروحانية عنصرا أساسيا في وضع قدم الإنسان على الجادة السليمة، إذ يشكل شهر رمضان المبارك أحد المواسم العبادية القادرة على إحداث تفاعلات داخلية في النفوس، لا سيما وان الصوم يرفع منسوب الجوانب الروحانية في مختلف أيام السنة، بيد أن الحزمة الروحانية تظهر بشكل كبير خلال شهر رمضان المبارك، مما يساعد في إظهار التحدي لقطف ثمار هذه الفريضة العبادية في النفوس، فالإمام السجاد يقول في دعائه بمناسبة دخول شهر رمضان ”شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان“.

يبقى تمحيص الذات غاية كبرى لدى الإنسان، من أجل التخلص من الترسبات الكثيرة التي تتركها الذنوب على القلوب، مما يستدعي تصميم برامج قادرة على إعادة النفوس إلى الطهارة، وطرد الوساوس الشيطانية بواسطة مختلف أنواع الطاعات، حيث تبرز أهمية تلك الطاعات خلال شهر رمضان في الليالي في أداء الصلوات المستحبة، لتضاف على أداء فريضة الصيام التي تسهم في تقوية الإرادة والامتناع عن الشهوات الدنيوية.

وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان

الحمد لله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.

والحمد لله: الذي حبانا بدينه، واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه، لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا.

والحمد لله: الذي جعل من تلك السبل شهره.

شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.

كاتب صحفي