آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

شهر التوبة 9

محمد أحمد التاروتي *

النفحات الرمضانية المصاحبة لدخول الشهر الكريم، ليست خافية على الصائم منذ اللحظات الأولى لرؤية الهلال، فالشهر الفضيل يبث في النفوس طاقة كبرى للمداومة على الطاعات، والحرص على أداء المستحبات، خصوصا وأن فريضة الصيام عنصر محفز على القيام بالكثير من العبادات، فتارة تكون عبر قراءة القرآن، والتزود من كتاب الله طيلة فترة الصيام، وتارة ثانية عبر القيام بالمستحبات العبادية الأخرى، وتارة ثالثة من خلال التصدق، ومحاولة تقديم المساعدات المادية للأسر المحتاجة.

الثواب الجزيل المصاحب لشهر رمضان المبارك، والشعور الداخلي بالإقبال الكبير على أداء العبادات على اختلافها، تشكل عناصر أساسية في تحويل البرنامج اليومي، من حالة الرتابة والكسل أحيانا، إلى النشاط والدخول في دورة عبادية استثنائية، بحيث تنطلق تلك الدورة العبادية منذ الليلة الأولى حتى نهاية الشهر الكريم، خصوصا أن الصائم يحاول ربط الامتناع عن الطعام والشراب، بمزيد من الطاعات التي تزيد من روحانية التقرب إلى الله، بحيث لا تقتصر الأجواء العبادية الفترة النهارية، ولكنها تمتد إلى ساعات المساء حتى طلوع الفجر.

التوفيق الإلهي عنصر أساسي في القدرة على أداء الطاعات، طيلة أيام شهر رمضان المبارك، حيث تتوافر جميع الأجواء المساعدة على التقرب إلى الله تعالى، ”هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله“، مما يحفز الصائم على التحرك في اتجاه زيادة الجرعات العبادية، فهناك العديد من المستحبات سواء في ساعات النهار أو الليل، خصوصا وأن ”أقرب ما يكون العبد من الله - عز وجل - وهو ساجد، وذلك قوله تبارك وتعالى“، وبالتالي فإن الصوم محرك فاعل في إحداث تغييرات كبرى في رفع وتيرة العبادات، لا سيما وأن الصوم يقوي الإرادة الذاتية، وعدم الاستسلام للمغريات، والتكاسل الذي يصيب المرء في الغالب.

المعرفة الكاملة بأهمية استغلال شهر رمضان المبارك، تشكل عنصرا فاعلا في إحداث تغييرات حقيقية، في العلاقة العبادية مع الخالق، فالغفلة تحدث انفصالا واضحا في القدرة على الاستفادة من الفسحة الرمضانية، فيما يتعلق بزيادة منسوب العبادة على الصعيد الذاتي، خصوصا وأن الإدراك الداخلي بأهمية وضع آليات محددة للتفاعل مع شهر الصيام، يساعد في خلق الحالة الروحانية في النفس، بحيث تبرز على طبيعة العلاقة الروحانية، من خلال الالتزام بمختلف العبادات، التي تمتاز بها ليالي شهر رمضان المبارك، بمعنى آخر، فإن الخشية من فوات الفرصة الروحانية الذهبية، التي توفرها فريضة الصيام، تدفع باتجاه الحرص على أداء الطاعات، من خلال الترجمة العملية للقيام في آناء الليل، وأطراف النهار.

القيام إحدى سمات شهر الصيام، خصوصا وأن البرنامج اليومي يتحول بشكل كبير، بحيث لا توجد عوائق كبرى، تعرقل الصائم عن أداء مختلف المستحبات، فالصائم قادر على اقتطاع الكثير من الأوقات للقيام لفترة مختلفة، نظرا لوجود العديد من الأعمال المستحبة، طيلة أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وبالتالي فإن التوفيق الرباني للقيام في ليالي شهر رمضان المبارك، من الأمور الذي ينبغي الشكر والحمد عليها، فهناك الكثير من الأشخاص غير قادرين على التضرع، والحرمان من الصلاة، سواء نتيجة الأمراض، أو الانتقال إلى دار الآخرة، أو نتيجة عدم التوفيق على أداء تلك الصلوات، ”فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه، جوع يوم القيامة وعطشه“.

وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان

الحمد لله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.

والحمد لله: الذي حبانا بدينه، واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه، لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا.

والحمد لله: الذي جعل من تلك السبل شهره.

شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.

كاتب صحفي