التاء المخفيّة،،،
التفاؤل الاجتماعي لا بد منه وإن طغت بعض الأحيان وامتدت الخلافات المجتمعية التي تدكّ وتنخر في جذور ركائز المجتمع وفروعه وأغصانه، كان حيّاً ومتآخياً ومتكاتفاً وأصبح مغايراً لا يمكن تغطيته ورشّه بألوان زاهية في زمن تخلخلت فيه المصداقية وأمست ألوان الطّيف باهتة وحلو الكلام سراب. لم يعد الصمت عنواناً قطعيّاً للرضا في زمن سيطرت فيه المجاملات وشراء قول الحق بتعزيز المصالح. النظرة المجتمعية السلبية أداة تخلّف ينتج عنها نشر الشائعات والتصنيف المبالغ وخلق الحواجز يكون وقتها للأسف العمل والقول الجميل استثناء. الهروب من مواجهة العلّات التي تصيب المجتمع هو بمثابة إهمال المرض وإتاحة الأرضية الخصبة لانتشاره واستفحاله في البيوتات والحارات وتسرّبه كنمط حياة ساكنة للأجيال القادمة التي تعيشه وتراه رأي العين.
نلمس تنفيذ واهتمام أكثر في الفترة الأخيرة، ولكنّا نشكو مثل غيرنا تأخّر التطوّر التنموي مقارنة مع أحلامنا وأمنياتنا المشروعة والجدول الذي تصورناه وقد لا نلتفت إلى بعض النّعم التي توفرت ولم تصل بعد إلى الكثير من الأماكن ولكن نحن البشر طموحنا بلا حدود ومشروعاتنا نقول إنها موضوعة آخر السطر مما ينتج عن هذا الفكر السلبي إلى عدم التواصل والتقاعس حتى عن محاولة الاستماع من المعنيين ما يرونه مرسوماً لنا. كل مدينة وكل قرية لها خطة تنموية خمسية وسيكون لها نصيب أوفر مع المتابعة والمناقشة وتوضيح الأولويات والمصاعب التي قد لا يراها المعني بالتخطيط والمسؤول ولعل هذا التواصل سرّ من أسرار تطوّر حيّ أو مدينة أو قرية عن أماكن ساكنة أخرى.
التعليم والصحة من الاحتياجات المهمة في المجتمعات الناشئة والتي لا يمكن أن تستقرّ الحياة دونهما ولو ضمن المعايير العاديّة الدنيا حتى تجاوزاً لكي يستطيع أن يحسب المرء نفسه مع العالم. بالتعاون بين مراكز التجمعات الصحيّة ورجال الأعمال والمحسنين يمكن القول إننا نلمس حركة تسابق الزمن لرفع مستوى الخدمات للمرضى ومشروعات تنفّذ تحت إطار الشراكة المجتمعيّة تتوالى هنا وهناك، وهذا الميل اتجاه المشروعات الصحيّة نأمل أن يستمر كما ينال الشطر الآخر وهو التعليم نصيباً جيداً لما له من ثقل كبير من التربية والبناء وتمهيد المستقبل الواعد المضيء للأبناء. واقعاً ما نفخر به من إنجازات طلبتنا الأولاد والبنات في المدارس ومنصّات التنافس يلقي على المجتمع توفير وسائل مواصلة العلم والإبداع دون مزاحمة عبر متابعة طلب وتنفيذ كليات ومعاهد وجامعات رصينة قريبة من المدن تنتج العلماء والمخترعين ولا نقف عند حدود الشراكة المجتمعية الطيّبة بل نسعى بعزم إلى التعاون مع أرقى المعاهد والجامعات العالمية.
مما لا شكّ فيه أن المرء ينزعج عندما يشاهد تشوّه بصري يتراكم من حيّ إلى آخر نتيجة انتهاء صلاحية مباني أو ترك مساحات مهملة بلا استفادة منها ويستمر الحال لسنوات ولا يحل محلّها مشروعات حديثة ولا تتوسّع المباني لتخدم شريحة أوسع هم بحاجة لهذه الخدمات سواءً كانت تعليمية أو صحيّة أو غيرها. إلى زمن قريب كان يوجد على الأقل في مدينتنا بعض المبادرين من الوجهاء الذين كانوا يجوبون الدوائر والمؤسسات في سبيل تسريع تنفيذ المشروعات التنموية والصيانة، وبلا جدال النقاش والتفاهم مفتاح مهم في طريق التواصل الإيجابي المثمر والناجح خلاف الشكوى والدردشة من بعيد والتي تعتبر مسلكاً سلبيّاً قد يزيد تفاقم الأمور لا حلّها ومعالجتها.
ثمّة ابتلاءات تواجهها المجتمعات بشكل مضاعف عندما يختفي الوجهاء والمؤسسات الرسمية والأهلية عن تحمّل همّ وطلبات المجتمع والابتعاد عن التواصل مع المسؤولين ومتابعة تنفيذ المشروعات التنموية الضرورية، وتكون الابتلاءات مضاعفة مع انشغال هؤلاء الوجهاء بقضايا وخلافات شخصية عميقة داخل الأسر ومع أقرب الأصدقاء مما يجعل الأمر تحت مرارة الضياع والتقهقر. ولعلنا لا نبالغ أن نقول للوصول إلى المجتمع المثالي الوزن يومئذ الترابط والتكاتف المجتمعي، ومن يحمل على عاتقه مشاكل وخلافات أسرية لا يمكن أن يكون مؤهلاً لتحمل أعباء المجتمع. أن خسائر الخلافات الأسرية على الأفراد والمجتمع كبيرة والجميع يشاهد الأراضي والمباني الثمينة المهمولة نتيجة عمق الخلافات وضياع حقوق الضعفاء من هؤلاء الأفراد الذين لا حول لهم ولا قوة.
أما آن الوقت بأن يتحمل المشايخ ورجالات المجتمع المسؤولية التامّة لمعالجة الخلافات داخل الأسر وبين الورثة والشركاء والوجهاء ونقضي على هذا التشوّه المنتشر والمهمول في مجتمعنا!