آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

حرق الجسور بين الحرب والسلم!

المهندس هلال حسن الوحيد *

قطعنا ثمانيةَ أيام من شهرِ رمضان، من المحتمل بل من المؤكد أن أغلب القراء الكرام ممن لديهم قطيعة مع بعض الأشخاص وخصوصًا من ذوي الرحم قالوا: كفا قطيعةً وهجرًا! هذا شهر رمضان يلمّ الجميع ويعيد جسور المحبة إلى متانتها. ”لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة“، وفي الناس من تمر ثلاث سنوات وعشر سنوات، لا سلام ولا كلام!

مصطلح حرق الجسور في الحرب Burn bridges يعني أن يقوم أحد الفريقين المتحاربين بحرق جسور العودة على نفسه ما يحتم عليه القتال أو الموت. في التاريخ شواهد مسجلة يمكن للقارئ الكريم والقارئة الكريمة أن يطلع عليها وما يهمني في هذه الخاطرة هي جسور السلم والسلام - بين الناس العاديين - كيف تحترق!

يمثل شهر رمضان ورشة إعمار لأن في ليالي القدر ويوم العيد فرصة لإصلاح ما تلف في بقية الأيام من جسور المودة والوصال، وإلا كان ذلك التلف مانعًا من اجتياز العقبة والوصول إلى بر المغفرة الآمن: عن الإمام الرضا - عن آبائه : ”في أول ليلة من شهر رمضان يغل المردة من الشياطين، ويغفر في كلّ ليلة سبعين ألفا، فإذا كان في ليلة القدر غفر الله بمثل ما غفر في رجب وشعبان، وشهر رمضان إلى ذلك اليوم إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله عزّ وجلّ:“ أنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا".

يقطع بعضنا الجسور ويتطرفونَ في القطيعة حتى الجنون، فلا يكون هناك مجالا للعودة والتراجع، ولكن لا شيء يصعب ويمتنع عن الإصلاح، خصوصًا إذا كانت الجائزة والمكافأة كبيرة. ولنسأل: أليس أكثر الخصام من الوهم؟ ألا يمكن استئصال أسباب القطيعة؟ الجواب عن كل ذلك نعم! عن الإمام الباقر : ”ما من مؤمنين اهتجرَا فوق ثلاث إلا وبرئت منهما في الثالثة، فقيل له: يا بن رسول الله هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال :“ ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول: أنا الظالم حتى يصطلحا"؟!

خلاصة الفكرة: خاصم وقاطع إذا استحق الأمر وهناك أمورا تستحق الخصام والقطيعة، كلنا بشر ولنا قيمة واعتبار، مع ذلك لا تحرق جسور العودة. من يريد الخصام يستطيع ومن يرغب في الوصال يستطيع! وفي بعض المناسبات مثل شهر رمضان والعيد تكون المهمة سهلة؛ رسالة تهنئة، رسالة معايدة، رسالة والسلام!

وَإِن قَطَعوا مِنّي الأَواصِر ضَلَّةً ** وَصَلتُ لَهُم منّي المَحَبَّة وَالوُدّا

وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم ** وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا

مستشار أعلى هندسة بترول