جدتي فهيمة... تشم الرائحة من التلفزيون
لم تخطئ جدتي «رحمها الله تعالى» حينما قالت - قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمن -: إنها تشم ما كانت تراه على شاشة التلفزيون؛ حيث عندما تشاهد طبيخاً معيناً أو عطراً ما أو منظراً كريهاً تؤكد أنها تشم تلك الروائح المنبعثة منها، وكنا نضحك منها، ونأخذ ذلك بأسلوب الطرفة والنكتة.. حقاً كانت تؤكد لنا ذلك لكننا لا نأخذ الموضوع بشكل جاد وجدي..
كنت خلال ثلاثة أيام من الأربعاء - الجمعة في البحرين مع الأولاد من باب التنزه والتسلية حيث زرنا خلالها عدة أماكن ترفيهية وثقافية وسياحية هناك ابتداءً من متحف البحرين الوطني ومنتزه عين عذاري وبعض المجمعات التجارية والأسواق الشعبية وبعض الأماكن الترفيهية والمطاعم ومحمية العرين.. ورغم أن هدف الزيارة للبحرين هو التنزه إلا أنني تواصلت مع بعض الإخوة المبدعين والمثقفين وتناولنا الهم الثقافي وما هي معوقاته ومعطياته، وتكلمنا عن عدة فعاليات محلية وعربية وكان وقتها إقامة ملتقى الأديبات العربيات التي تحتضنه البحرين - خلال هذه الفترة من الرابع من إبريل حتى خمسة أيام قادمة - في تلك السنة وتطرقنا للأسماء المشاركة وما البرنامج المتبع لهذا الملتقى وما هي أهدافه؟.. عموماً الهموم الثقافية والإبداعية عديدة وكثيرة ومتنوعة وتحمل ألواناً وخطوطاً متوازية وأخرى خلاف ذلك.. وحظيت بلقاء زملاء في الإبداع والثقافة في وزارة الثقافة البحرينية وبعض المراكز الثقافية الرسمية والخاصة وتبادلنا النتاجات الأدبية والثقافية.. الزيارة كانت ممتعة لكن ما شابها هو شقاوة الأولاد التي جعلت مؤشر ضغطي يرتفع كثيراً وجعلتني في حالة غير مستقرة، ومع هذا تبقى هذه السفرة تحمل مؤشرات جميلة وفيها استمتاع كبير، رغم مغامرتي بعدم دخولي أي فلم سينمائي بسبب الأولاد - أقصد أطفالي آنذاك، عودة لحاسة الشم من خلال ما يعرض على شاشة التلفزيون والتي كنا نسخر من جدتي آنذاك «أقصد لم نستوعب ما تقوله» تفاجئني جريدة أيام الخليج البحرينية - يوم الجمعة الموافق 5 - أبريل - 2013م الموافق 24 جمادى الأولى 1434ه - في الصفحة قبل الأخيرة بهذا الخبر والذي يحمل عنوان «أول تلفزيون يطلق روائح!»: «تمكن علماء يابانيون من تطوير تلفزيون جديد يتميز بتقنية تجعل الناس يشمون رائحة ما يشاهدونه على الشاشات، باستخدام طابعات تصدر رذاذ خفيف من السوائل.. ونقلت مجلة العالم الجديد عن الباحث الياباني كنيتشي أوكادا من جامعة كيو اليابانية قوله إن «فريقاً من الجامعة توصل إلى تقنية لجعل الناس يشمون رائحة ما يشاهدونه على الشاشات باستخدام طابعات كمبيوتر عادية».. وأوضح الباحث أن «التقنية تقوم على استبدال الحبر بمزيج من السوائل المعطرة ووضعها في المحابر بتركيبات متنوعة لتعطي أنواعاً من الروائح».. وستبرمج الطابعات لإصدار رذاذ خفيف من السوائل بمعادلة معينة عند ظهور مشهد تناسبه رائحة ما، ونجح الباحثون حتى الآن في برمجتها على بث روائح النعناع والكريفون والقرفة والخزامى والتفاح والفانيلا.. ويعمل الفريق على ربط الصورة بالروائح، حيث تصبح الرائحة تصدر تلقائياً بحسب مضمون الصورة.. ويعد هذا الإنجاز خطوة مهمة بعد محاولات سابقة فاشلة سعى العلماء من خلالها لاكتشاف طريقة تجعل الجهاز يصدر رائحة تنفق مع المشاهد التي يعرضها».. وهذا يؤكد ما كانت تدعيه جدتي قبل عقدين من الزمن؛ ولكن هل ما كانت تشمه جدتي آنذاك حقيقة أم توهم أم ماذا خاصة أنها تؤكد لنا ما كانت تدعيه...؟!! وكأن هذه القفزة التطورية في عالم التكنولوجيا اكتشفتها جدتي «فهيمة بنت حسن الصويل» قبل زمن طويل مضى وأنها سبقت ما توصل إليه هذا الفريق العلمي الياباني والذي مازال في طور التجريب.. ننتظر من علماء الطب البشري التوصل إلى دراسة تؤكد قدرة الشخص العادي برمجة ما يشاهده من خلال صور ثابتة أو متحركة وغيرها، إلى روائح حقيقية كما كانت تدركه جدتي، والتي لها من اسمها نصيب رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جناته، فقد سُرقت منها هذه الفكرة وهذا الاختراع العلمي في عالم الأجهزة الإلكترونية والقدرة العقلية والروحية التي كانت تتمتع بها، حيث إنها كانت طبيبة شعبية وداية.! ونبقى ننتظر ما هو جديد في علوم التكنولوجيا في هذا العصر المليء بالاختراعات والاكتشافات والانفجار التقني والعلمي في شتي مجالات الحياة.