آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

شهر التوبة 8

محمد أحمد التاروتي *

يفتح شهر رمضان المبارك الطريق أمام المسلم لزيادة الجرعات العبادية، فالأجواء الروحانية التي تصاحب أيام الشهر الفضيل، ينذر توافرها طيلة السنة، مما يدفع المسلم للحرص على استغلال هذه الفرصة الزمنية القصيرة، من أجل زيادة الجرعة الروحانية والتصميم على المداومة، على الطاعات طيلة الشهر الكريم، خصوصا أن دور العبادة تشهد ازدحاما شديدا في جميع أوقات الصلاة، فضلا عن تخصيص فترات محددة لتلاوة القرآن الكريم، مما يشجع على الاستفادة القصوى من الفسحة الزمنية القصيرة.

شهر رمضان المبارك تتوافر فيه جميع أسباب التقرب إلى الله تعالى، فالصائم يحرص على أداء الفرائض في أوقاتها، فضلا عن تخصيص جزء من الأموال لمساعدة الفقراء، بالإضافة إلى زيادة الجرعة العبادية، وكذلك الابتعاد عن الأعمال غير المنسجمة مع الصيام، من خلال تحسين الأخلاق والحرص على تصويب بعض الأخطاء، أو العزم على تحويل سوء الخلق إلى أخلاق حسنة، سواء خلال التعاملات مع الأسرة، أو مع البيئة الاجتماعية، خصوصا أن الصيام يحدث أثرا ملموسا في مختلف الاتجاهات، فالامتناع عن الطعام يطلق الشرارة نحو التفكير، في الكثير من الممارسات بهدف تصحيحها، الأمر الذي يساعد في تحريك الجوانب الإيجابية، والابتعاد عن الجانب السلبي، على الصعيد الذاتي والاجتماعي.

النفحات الربانية المصاحبة للشهر الفضيل، تتمثل في الكثير من الأمور، فهذه النفحات تشكل محركاً أساسياً، في الإقبال الكبير على الطاعات خلال الشهر الكريم، فالخالق سبحانه وتعالى فضل رمضان المبارك على بقية الشهور، حيث يمتاز الشهر الفضيل العديد من الأشياء، التي لا تتوافر في بقية السنة، الأمر الذي يفسر الاهتمام غير الاعتيادي باستقبال شهر الله، نظرا لوجود محفزات عديدة تدفع باتجاه الحرص، على التعامل مع شهر رمضان بأسلوب، وطريقة مغايرة تماما مع الأشهر الأخرى، فالعملية لا تقتصر على الالتزام بالصيام، وإنما هناك أبعادا عديدة بعضها ذات أبعاد ذاتية، والبعض ذات أطر اجتماعية، والبعض الثالث ذات أثر نفسي، وغيرها من الآثار المتعددة، التي تتركها فريضة الصيام على النفوس، منذ رؤية هلال شهر رمضان المبارك.

الاهتمام الكبير بشهر رمضان المبارك في مختلف الدول الإسلامية، يعطي إشارات عديدة بامتلاك هذه الأيام مزايا كبرى، بحيث لا تقتصر على الإطار الذاتي، وإنما تشمل الجوانب الاجتماعي، مما يفسر تنامي الشعور تجاه الفقراء والطبقات المحرومة خلال الشهر الكريم، فالمبادرات ذات الإطار الاجتماعي تلاحظ بشكل كبير، منذ اللحظات الأولى لدخول الشهر الكريم، حيث يتم توزيع السلل الرمضانية على الأسر المحتاجة، فضلا عن تنظيم موائد الإفطار الجماعية، بهدف تقديم المساعدة المادية للفئات الفقيرة، خصوصاوأن تقديم المعونة يشكل جانيا أخلاقيا ساميا، في تجسيد معنى التكافل الاجتماعي، ومن ثم فإن الجرعة الروحانية المصاحبة لفريضة الصيام، تتجلى في الكثير من الأعمال، سواء على الصعيد الشخصي أو على الإطار الاجتماعي.

التوفيق الإلهي لبلوغ شهر رمضان المبارك، إحدى السبل التي حباها الخالق للمسلم، حيث يمثل الشهر الكريم فرصة زمنية مناسبة للتحرك في الاتجاه الإيجابي، من أجل ترتيب الكبير من الممارسات، بما ينعكس بصورة مباشرة على تقديم صورة مغايرة تماما، بهدف الحصول على الغاية الكبرى، وهي الخلود في الجنان والفوز برضوانه، لاسيما وأن رمضان يشكل موسما للعبادة، وتخصيص مساحات واسعة للطاعات، فالشيطان محروم من الوسوسة طيلة الشهر الفضيل، ”الشيطانين مغلولة“، مما يسمح للصيام للانطلاق بحرية في أداء مختلف أنواع الطاعات، حيث يقول الإمام الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السَّجَّادُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ: وَالْحَمْدُ لِلّه: الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ.

شَهْرَ رَمَضَانَ: شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الاِسْلاَم، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ.

كاتب صحفي