آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 10:42 ص

شهر التوبة 7

محمد أحمد التاروتي *

يُظهر شهر رمضان المبارك طقوسه المميزة، على مختلف مفاصل الحياة الفردية والاجتماعية، بحيث بات احترام الشهر الفضيل من الأمور المألوفة لدى الجميع، إذ لم يقتصر احترام قدسية الشهر الكريم على المجتمعات الإسلامية، وإنما استطاع شهر رمضان المبارك فرض هيمنته على بعض المجتمعات غير الإسلامية، من خلال إظهار المزيد من الاحترام للمسلمين بمجرد رؤية هلال الشهر الكريم، حيث أخذت بعض الدول الأوروبية تظهر المزيد من التقدير والاحترام لمشاعر المسلمين، سواء من خلال تنظيم بعض موائد الإفطار الجماعي، أو منح المسلمين بعض الخصوصية، لممارسة الشعائر طيلة الشهر الفضيل.

أصبح شهر رمضان المبارك مرتبطا بشكل مباشر بالإسلام، فهذه الفريضة العبادية تفتقرها الديانات الأخرى المنتشرة في مختلف بلدان العالم، مما يجعلها ذات ميزة فريدة من نوعها، بحيث تجبر الشعوب الأخرى على الإقرار بهذه الخصوصية، التي تميز المسلمين عن غيرهم من الديانات الأخرى، فالصوم على الطريقة الإسلامية معدوم لدى اتباع الديانات السماوية الأخرى، خصوصا وان الإمساك عن الطعام من الفجر حتى الليل، عبادة مخصوصة للمسلمين دون غيرهم، فهناك أنواع من الصيام لدى بعض الديانات، ولكنها تختلف في طريقة العبادة، الأمر الذي يجعل شهر رمضان المبارك فريضة عبادية إسلامية خالصة.

تمثل عبادة الصيام أحد الطرق لنشر الإسلام، في عموم البلدان غير الإسلامية، فالالتزام الكبير من المسلمين بالإمساك عن الطعام والشراب لساعات طويلة، يدفع غير المسلمين لمحاولة فهم هذه الفريضة الإسلامية، وكذلك محاولة التعرف على قدرة المسلم على مواصلة الصيام لساعات طويلة، وعدم الاستسلام للجوع والعطش، الأمر الذي يمهد الطريق أمام توسيع قاعدة الإسلام، في بعض البلدان غير الإسلامية، نظرا لقدرة هذه الشعيرة الإسلامية على إحداث حالة من الانبهار، والإكبار، والاحترام، في الوقت نفسه، إذ من الصعب بقاء الإنسان لساعات طويلة دون طعام أو شراب، بيد أن الالتزام بالأوامر الإلهية يشكل أحد العناصر الأساسية لتقوية الإرادة، لدى الإنسان وعدم الخضوع للمغريات على اختلافها.

استطاع شهر الصيام ترك بصمة واضحة، في مختلف البيئات غير الإسلامية، حيث يلاحظ الجميع الاهتمام الكبير من المجتمعات بهذه الفريضة الإسلامية، حيث تبدأ وسائل الإعلام تسليط الضوء على دخول الشهر الفضيل، من خلال الكثير من البرامج ذات الأثر في نقل الصورة الإيجابية، عن فريضة الصيام وقدرتها على تطهير النفوس من الشوائب، التي تتركها الغفلة المتواصلة طيلة الأشهر الماضية، حيث يتحول المسلم إلى كيان مختلف تماما، بمجرد البدء في فريضة الصوم، مما يدفع البيئات غير الإسلامية على البحث في الآثار الكبيرة، التي تتركها عبادة الصيام على النفس، وكذلك قدرتها على توفير الأجواء المناسبة، لإحداث انقلاب كبير في السلوكيات الخارجية لدى المسلم، وبالتالي محاولة التعمق بصورة كبيرة في الإيمان الكبير لدى المسلم، عبر الحرص على أداء فريضة الصوم، وعدم الاستسلام للظروف الخارجية، والمغريات المتعددة المنتشرة في الفضاء الخارجي، بالبيئات غير الإسلامية.

الصوم يمثل ورقة رابحة لأحداث اختراقات حقيقية، في مفهوم النظرة القاصرة والسلبية تجاه الإسلام والمسلمين، فالمسلم بإمكانه توظيف هذه الفريضة السامية بالطريقة المناسبة، للتأثير على الوسط الاجتماعي في المجتمعات غير الإسلامية، مما يمهد الطريق لإحداث تحولات واضحة في النظرة تجاه المسلمين، لا سيما وان الصيام يسهم في تهذيب النفوس عبر إظهار السلوك الأخلاقي الحسن، مما ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة العلاقات الإنسانية، مع الآخرين غير المسلمين في البلدان غير الإسلامية، حيث يقول الإمام السجاد في دعائه مع دخول شهر رمضان المبارك ”شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان“ و”والحمد لله: الذي حبانا بدينه، واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه، لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا“.

كاتب صحفي