آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

الإفطار الرمضاني المشترك

المهندس أمير الصالح *

وردتني رسالة يتداولها الكثير من الناس عبر تطبيق الواتس اب بعنوان ”ملاطفات ابو فلان“. ونص الرسالة التي وصلتني مع بعض التصرف: ”أغلبنا يتم دعوته في رمضان لحضور إفطار جماعي مشترك للجيران داخل الحي الواحد. حينها كل شخص من المدعوين، يلتزم بجلب طبق أكل من صنع بيته ويشارك فيه على المائدة،. وهذه التجربة تجعل كل عائلة في الحي مستنفرة وكأنها ستدخل قاعة اختبار القدرات. في الغالب لا أحد يعرف ماذا سيجلب الاخرون. فالمشاركة بأطباق الطعام مفتوحة وغير محددة مسبقا. وبالتالي تنشأ مشكلة وهي تكرار ذات الصنف من الأطباق. والأغلبية في مناطقنا الخليجية يجلب هريس أو لقيمات أو سنبوسه. وحتى لو اختلفت الأطباق، تشاهد أثناء تناول الإفطار، صاحب كل طبق يوزع من طبقه على الآخرين بشكل اندفاعي كأنه مندوب تسويق لمنتج تجاري معين. وقد يكون هدفه أن يرجع للمنزل وقد تم توزيع كامل محتوى الإناء وإلا يا ويله يا سواد ليله أن أخفق في تحقيق ال target. والبعض قد تطلب منه زوجته عند رجوعه لبيته تقريرا كاملا لما حدث قبل وأثناء وبعد الانتهاء من توزيع طبق الطعام الذي هي أعدته. وتتفرع أسئلة التقرير الصوتي لتشمل الاستفسار عما جلب الآخرون من أطباق وأطعمه وعن الطبق الأكثر شعبية على المائدة حينذاك؟ وطبق من هو الألذ؟. وعليه نقترح لو كل رجال الجيران يتحاططون بينهم ويطلبون لهم بوفية طعام مفتوحة من مطعم قد يكون أسلم لهم وأفضل من سماع القيل والقال في انتقاد زادهم، واحفظ للهيبة عند تسليم التقرير الصوتي. وأضمن لعدم ارتفاع الضغط والسكر أثناء الاستجواب بعد الرجوع للبيت“. طبعا المقال في جله تم صياغته بشكل كوميدي ساخر. وشخصيا أشكر صاحب الملاطفة لذكائه وحسه الاجتماعي في نقد الظاهرة السلبية ولما آل التوظيف السيئ لها.

طبعا الملاطفة ركزت على جانب وأهملت جوانب أخرى ومنها الجانب الآخر وهو تنصيب البعض أنفسهم خلال انعقاد الفطور الجماعي المشترك على أنه الناطق الرسمي في إطلاق تصاريح استذواق الأطباق الرمضانية التي يشارك فيها الحضور دون أي لباقة أو كياسة أو فطنة. ولدى بعض أعضاء المجتمعات المترفة بالنعم جرأة في جرح كرامة الآخرين بدل تشجيعهم واحتضانهم وتعزيز الثقة فيما بينهم والتودد لهم لجذبهم. تحت شعار الذي على قلبي على لساني أو شعار ”مجرد مزح“ أو ”هذا أنا وهذا خلاقيني“ يتمادى ذاك البعض في التجريح للاخرين دون أي مبالاة منه. والأنكى أن يتفاعل بعض الحمقى بالضحك والقهقهة على تعليقات ذاك المجرح على استقلال واستنقاص جودة طعام بعض المشاركين بالإفطار الرمضاني. وعليه أرى أن استجابة دعوة الإفطار المشترك في رمضان المبارك يجب أن تكون فيها نوع من الذكاء الاجتماعي والفطنة قبل التلبية لها. شهر رمضان المبارك معد كاملا وأساسا للتربية وتهذيب النفس وتعزيز روح الانصهار الاجتماعي. إلا أنه يتحول عند البعض شهر للحش والتهكم أو المفاخرة أو الملاسنة أو استعراض ملكات الاستسخار بالآخرين حتى على أطباق طعامهم أثناء الحديث على الموائد في الإفطار الجماعي المشترك بين الجيران. وشخصيا وقفت على كل ما ذكر صاحب الملاطفة أعلاه من المواقف الاجتماعية المحرجة لذوي الحس الإنساني الرفيع. والتي جعلت البعض ممن يحترمون ذاتهم ويسعون في حفظ ماء وجوههم بأن يبتعدون عن الفطور الرمضاني الجماعي المشترك لما شاهدوه وسمعوه من سلوك وتعليقات بعض الأطراف من المشاركين.

ولذا وهذه وجهة نظري الخاصة بي وغير الملزمة لأي شخص، أرى أن من لديه حكمة وعقل وقبل المشاركة أو الاستجابة للمشاركة لأي دعوة إفطار رمضاني مشترك تشخيص وتفحص أدبيات أعضاء الحضور أن أمكنهم ذلك. والامتناع من الحضور إن كان من بينهم شخص قليل أدب أو يطيح الميانة بشكل مقزز ويكسر الخطوط الحمراء ويتهكم على أطعمة الغير أو يسفه ذائقة الغير في إعداد الطعام. والخيار الثاني هو أنه إذا استجاب لدعوة إفطار مشترك عليه أن ينتقي بذكاء ويستجيب لدعوات الآخرين بذكاء اجتماعي وفطنة. ويشخص كيفية التعامل مع كل المواقف والكلام الذي قد يطرق مسامعه والإجراء الاستباقي لحسم أي تنابز أو غمز ولمز أو تهكم. لأن المحصلة المرجوة والنتيجة المطلوبة عند المشاركة بطبق في الإفطار الرمضاني الجماعي المشترك هو توطيد العلاقات بين المشاركين وخلق بيئة صالحة تليق بالشخص والبعد عن النكد والانتقاص والتهكم والاستفزاز. جملة اعتراضية: من المعروف أن كل إنسان حببه الله لزاده الذي يصنعه في بيته.

نعم إذا كان الرجل المتلقي لدعوة الإفطار مبتلى بزوجة لا تجيد الطبخ فمن الحلول الممكنة والعملية، أن يجلب الرجل المدعو في أي إفطار مشترك بعض الأكل من مطاعم مرموقة لتجاوز ذوي الألسن غير منضبطة أو الميؤوس من ضبطها عند استذواقهم لطبقه المشارك.

ولعل صاحب الدعوة الذكي هو الأولى في فلترة المدعوين لإنجاح اللقاء والتجمع الرمضاني المبارك بحسن انتقاء المدعوين وتفادي دعوة المزعجين والمتهكمين والسلبيين. وإدارة دفة المواضيع التي تطرح للنقاش عند انعقاد الإفطار في منزله أو مزرعته، وتنبيه أي شخص يتطاول في كلامه أو تجريحه أو لمزه أو غمزه.

كم هو جميل أن يبادر الجميع في خلق أجواء رمضانية جميلة في وسطه الأسري والاجتماعي. وكم هو أجمل أن نسعى جميعا في خلق أجواء الانصهار الاجتماعي لنشعر بالعزة والعزوة والانتماء والكثرة. الفطور الجماعي المشترك هو إحدى الأدوات القوية والأقل تكلفة مالية عن كاهل المشاركين لتفعيل ما يسمى بالاندماج الاجتماعي integration. وشخصيا أؤمن بهذا النشاط وأسعى لتطبيقه بكل إخلاص وتفان وذكاء. وأشكر كل صاحب فكرة تنمي روح الاندماج الاجتماعي وتنقية الأجواء وزيادة رقعة المودة بين أبناء المجتمع. فكثر الله الاجتماعات والجمعات واللقاءات الطيبة والهادفة في الحارة والفريج والمدينة والوطن.