”دردشة جي - بي - تي“ ونظريّة تشومسكي اللُّغويّة
”محول الدردشة التوليديّة المدربة مسبقًا“ «Chat Generative Pre-trained Transformer» المعروف ب ”دردشة جي بي تي“ «ChatGPT» هو روبوت محادثة «chatbot» طوّرته ”أوبن إيه آي“ «OpenAI» وأُطلق في 30 نوفمبر 2022م، وهو هو مبنيّ على ”عائلة جي بي تي-3“ الخاصة لنماذج اللُّغات الكبيرة وضُبط بدقة باستخدام تقنيات التعلم المراقب والتعليم المدعوم. وهو برنامج حاسوبي يقوم بإجراء محادثات بطريقة إما سمعيّة أو نصيّة، بحيث تعتمد إجاباته على الطريقة التي يتصرف بها الإنسان. ورغم ضعف دقة معرفته بحقائق المجالات المختلفة، سرعان ما حظيّ النّموذج الأوليّ بالاهتمام لردوده التفصيليّة والإجابات المفصلة في عديد من مجالات المعرفة. وعلى الرغم من أن الوظيفة الأساسيّة لبرنامج الدردشة هذا هي محاكاة المتحدث البشري، فإنّه متعدد الاستخدامات. على سبيل المثال، يمكنه كتابة برامج الحاسوب وتصحيحها وتأليف الموسيقى والمسرحيات والحكايات الخرافية ومقالات الطلاب؛ الإجابة على أسئلة الاختبار «في بعض الأحيان، بمستوى أعلى من متوسط البشر المتقدمين للاختبار»؛ كتابة الشّعر وكلمات الأغاني، محاكاة نظام لينكس، وغرفة محادثة كاملة؛ وألعاب مثل تِك - تاك - تو؛ وغيرها. على عكس معظم روبوتات الدردشة، يتذكر ”جي - بي - تي“ الأوامر السابقة المعطاة له في نفس المحادثة «الدردشة»، وهي ميزة تمكن من استخدامه في مجالات متعددة قادمة.
في مقابلة مع صحيفة ”أوقات طهران“ «Tehran Times» في 28 مارس 2023م انتقد عالم اللُّغة الأمريكي، دانيال إيفريت «Daniel Everett» [1] ، نظريّات ”الأصلانيّة“ «الفطريّة» للعالم اللُّغوي المشهور نعوم تشومسكي، بحجة أن تشومسكي يركز فقط على القواعد، والتي هي جزء صغير فقط من اللُّغة، ولا تأخذ في الاعتبار الأصول الاجتماعيّة أو الثقافيّة للُّغة. يناقش إيفريت النتائج التي توصل إليها حول لُغة شعب الأمازون في البيراها «Piraha»، وهي واحدة من حوالي 8000 لغة منطوقة في العالم، بحجة أنها لا تختلف عن أي لُغة أخرى من حيث اكتساب اللُّغة. يقول إيفريت أن النظريات الحاليّة لتعلم اللُّغة تحتاج إلى مراجعة لأنها لا تأخذ في الاعتبار السيميائيّة والتفكير الاستنتاجي. تتطرق المقابلة أيضًا إلى العلاقة بين اللغة والفكر، حيث يجادل إيفريت بأن علاقة اللُّغة والثقافة علاقة تكافليّة، حيث يشكل كل منهما الآخر ويؤثر عليه بالضرورة. لكن اللّافت في هذه المقابلة هو موقفه من ”محادثة جي - بي - تي“ «ChatGPT» ودورها في نقض، حسب زعمه، نظريّة تشومسكي في اللغة واكتسابها، وهو ما سأركز على إجاباته عن الأسئلة حول الموضوع في هذه المقابلة.
ChatGPT هو في طفولته، طفل بدأ للتو، مع ظهور نماذج محسنة، سيصل إلى مرحلة المراهقة ثم سن الرشد «وما بعدها». هناك ورقة بحث، في نظري، هي واحدة من أهم الأوراق التي ظهرت منذ عقود حول هذا الموضوع تحديدًا، وقد كتبت لتجمع سيقام على شرفي في مركر دراسات المخ في معهد مستشوتش للتكنولجيا، وقسم العلوم المعرفية «Cognitive Sciences» في يونيو القادم، وفيه يؤكد الباحث أن برامج مثل ChatGPT ستكون قادرة على إتقان أي مجال من مجالات اللُّغة.
أظهر ChatGPT، حسب رأي الدكتور إيفريت، أنّ اكتساب اللُّغة ممكن دون قواعد «grammar» أو أنظمة لغويّة «language rules» فطريّة «innate»، بل يتم تحقيق ذلك من خلال استخدام كميات هائلة من البيانات، كما هو واضح في نماذج اللُّغات الكبيرة. لكن يبقى السؤال: هل العمليّة بهذه البساطة التي صورها خصم تشومسكي التنظيري اللذوذ؟