آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 1:40 م

التضحية بالبنوك لمكافحة التضخم! «8»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

ينبغي اتخاذ تحوطات لمنع حدوث هزة اقتصادية أو مالية عالمية، نتيجة ما يلامسه العالم من انهيار مصارف في الولايات المتحدة وما حدث لبنك عتيد مثل“كريديت سويس”في أوروبا، بسبب طول أمد تطبيق سياسة“التضييق النقدي”، فما فائدة تحقيق استقرار الأسعار «كبح التضخم» على حساب الاستقرار الاقتصادي والاستقرار المالي بل وحتى الاستقرار المصرفي؟! لكن مَنّ الذي سيتخذ التحوطات: المودعون أم المتمولين أم المصارف أم البنوك المركزية؟

يبدو أن لكلٍ دور ينطلق من مصالحه. فمصلحة المودعين الحفاظ على ما لديهم من نقد، ولهذا فقد أخذوا يرحلوا بودائعهم «حوالي 110 مليار دولار سحبت حتى الآن» من البنوك الصغيرة الأمريكية إلى البنوك الكبيرة من جهة، وآثروا حماية ما لديهم من نقد «كاش» للاستثمار في خيارات منخفضة المخاطر عالية السيولة، وتحديداً صناديق السوق النقدية «Money Market Funds»، حيث حولوا لتلك الصناديق ما قيمته 300 مليار دولار، منذ انهيار بنك“سيليكون فالي”، مما رفع قيمة تلك الصناديق لمستوى قياس 5,4 تريليون دولار.

أما المقترضون، فمع استمرار ارتفاع سعر الفائدة على الدولار وعلى اليورو، يسعون للحد من الاقتراض تفادياً للتكلفة المتصاعدة ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار الفائدة بل كذلك بسبب حرص البنوك المتزايد الحفاظ على مستويات أعلى من السيولة تحوطاً لسحوبات عالية من المودعين، مما يعني تكلفةً إضافية للاقتراض، وهذا سيدفع المقترضين للبحث عن خيارات أخرى، كذلك خارج النظام المصرفي.

أما المصارف، فما يهمها في الوقت الراهن هو تجاوز“الموج الهائج”بحشد أعلى درجة من السيولة، والتضييق على الائتمان بانتقاء الأدنى مخاطرةً ليس زهداً بالإقراض بل رغبة بالاحتفاظ بالسيولة. ولا يمكن تجاوز أن المصارف مؤسسات تخضع لإشراف لصيق «تفتيش مصرفي» لكل شهيق وزفير، ولذا فعليها - حُكماً - وفقاً لمتطلبات“بازل 3”الحفاظ على مستوى من السيولة تحدده نسبة تغطية السيولة «Liquidity Coverage Ratio - LCR»؛ بَسطُها الموجودات عالية السيولة للمصرف، ومقامُها التدفق النقدي الصافي للمصرف لمدة ثلاثين يوماً، وتُحسب يومياً. فمثلاً من البنوك الأمريكية الرئيسية عالية السيولة“يو إس بنكورب”«US Bancorp» قيمة هذه النسبة 122 بالمائة، ما يعني أن المصرف 22 بالمائة من النقد «الكاش» أعلى من المطلوب لتغطية سحوبات 30 يوماً، مما يطمئن المودعين والمستثمرين على حدٍ سواء.

وأما السلطات المشرفة على القطاع المصرفي فسعيها دائماً تجنب الأزمات، من خلال إتباع معايير دقيقة تتسق في حدها الأدنى مع معايير“بازلIII”، أو تتجاوزها كما هو الحال في المثال أعلاه «US Bancorp»، ولا تتوانى في استخدام سلطاتها الواسعة لتجنب الهزات والصدمات ليس بهدف إنقاذ المصرف ابتدأً، بل «1» صيانةً لتوازن النظام المصرفي، وتضحي بالمصرف إن اقتضى الأمر، كما حدث في سويسرا إذ لم يكن من خيار أمام أي من البنكين «كريديت سويس أو يو بي إس» قبول أو رفض الاستحواذ، «2» حفاظاً على أموال المودعين، «3» حرصاً على مصالح المستثمرين، «4» تجنباً للمساس بأموال دافعي الضرائب.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى