آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

إيحاءات قرآنية.. ليس تقيًّا من لا يفكّر إلا بنفسه

السيد أمير كاظم العلي

يحرّر الدين الإنسان المؤمن من قيود الأنانيّة، فيجعله ينظر في قراراته وخياراته إلى تأثيرها على غيره من النّاس، ويحاول أن يجعله متحسّسًا لنفوس الآخرين وأرواحهم، مدركًا وحدة الطبيعة الإنسانية في الشعور والحاجات والتفاعلات، وملتفتًا إلى طبيعة التواصل النفسي بينه وبينهم، وفي هذا الاتّجاه تأتي التوصية الأخلاقيّة العظيمة القائلة: أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك.

كما يحرّر الدين الإنسان من قيود زمنه الحاضر، فيكشف له عن آثار أفعاله على مستقبله الدنيويّ، فضلًا عن مستقبله في عالم الآخرة. وفي خطوة أخرى في هذا الطريق يفتح لنا الخطاب القرآني نافذة على علاقة حاضرنا بمستقبل أجيالنا الآتية؛ فنحن غير محصورين في أيّامنا التي نعيشها، بل سيمتدّ وجودنا عبر وجود أولادنا وذريّاتنا، ونحن مسؤولون عن مستقبلهم، حين ندرك انعكاس أفعالنا على تشكيل مصيرهم في المستقبل؛ فإنّ الحياة البشريّة قائمة على قوانين وقواعد وسنن، وما يقوم به الإنسان اليوم - وإن حسبه عملًا صغيرًا غير ذي أهمّية - يؤثّر في تأسيس ثقافة عامّة تعود على أفراد المجتمع جميعًا، بما فيهم الفاعل نفسه، وأولاده وذريّته.

إنّ الإنسان المؤمن إذا تحرّر من التفكير الأنانيّ، وامتلك القدرة على التفكير المستقبليّ، فإنّه يكون بذلك قد اقترب من درجة مهمّة وعالية من درجات التقوى؛ لأنّ التقوى تعبير عن الالتزام بأوامر الله تعالى والتفاعل مع وصاياه، وهذا ما لا يتأكّد ويتوثّق إلّا إذا حصلت في نفس الإنسان أرضيّته، بتوسعة آفاق نظرته إلى نفسه وإلى الحياة من حوله.

وبما قدّمناه ندرك ارتباط مفهوم التقوى بعلاقة الإنسان مع النّاس، ليس على مستوى السلوك والعمل فحسب، بل حتّى على مستوى الشعور والوجدان، فليس تقيًّا من لا يفكّر إلا بنفسه ومصالحه الشخصيّة المحدودة، وليس تقيًّا من لا يراقب تأثير أفعاله وأقواله على الآخرين، فكلّ فعل وكلّ قول له قيمته في معادلات الحاضر والمستقبل.

﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - سورة النساء؛ 9.