يقظة في نهاية المضمار
ورد عن الإمام الرضا : اللهم إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان، فاغفر لنا فيما بقي منه» «وسائل الشيعة ج 10 ص 301».
هذه الرواية الشريفة تمثل النداء النهائي للارتواء من معين وعطايا شهر شعبان للوصول إلى أعلى درجات التكامل الروحي والأخلاقي، إذ هناك من بدأ في استعداده لهذه المواسم العبادية من شهر رجب، وآخرون شدوا الهمم في بداية شهر شعبان بالصيام وقراءة الأدعية والمناجاة وتحسين الأخلاق والتعامل الأفضل مع الآخرين، وبالطبع لا يمكننا أن نقول بأن الاستعداد المبكر في عطاياه ومخرجاته يطابق تماما من تواكل وتأخر إلى الرمق الأخير لشعبان.
والمؤمن في حالة وجل واضطراب بسبب التوازن النفسي الذي يعيشه بين الخوف والرجاء، فهاهي بداية انبلاج الشهر الكريم قد ظهرت ملامحها والتي تعني جوائز البركة والرحمة والمغفرة وصناعة النفس بعيدا عن ملوثات الشهوات.
نداء العبد المنكسر العائد إلى الله تعالى هو الحسرة على ما مضى إذ قضى عمره مقصرا ومذنبا، فأي جهل قد وقع فيه هذا الإنسان الظالم لنفسه، وأي هلكة قد قبع فيها حين تردى في المعاصي وعكف على ارتكابها دون رادع.
إنها حال الإنسان الذي فقد اتزانه العقلي والإيماني، فما عاد ليهتدي لصوت الحق والضمير، قد أصم أذنيه وأغمض عينيه عن صوت العقل الواعي، وهو يناديه: كف يا هذا وأقلع عن جرمك، وعد إلى جادة الصواب، فأنت تعصي جبار الجبابرة، ولكن ما من مجيب فقد استفرغت الشهوات من نفسه كل خير وهدى.
فجهله بعظمة الخالق جعله من المخاطرين بنفسه، وأي جهل أعظم من معصية المنعم والمتفضل عليه، وجهله دعاه إلى تفضيل اللذة الفانية على اللذة الباقية، إذ أن الداعي إلى ارتكاب المعصية هو اتباع الشهوات، وهذه الشهوات «حب المال، طغيان حب الذات، الغريزة الجنسية..» هي نزوات فانية، يقضي منها وطره لفترة ثم يبقى حاملا وزرها، وفي قبالة ذلك يكون قد ضيع ما أعده الله لمن أطاعه، أفلا يكون بأفعاله هذه مثيرا للشفقة لكل من رآه بهذه الحالة المتردية؟!
يتوجه المؤمن إلى ربه بسؤال المغفرة والتجاوز عن ذنوبه، في وقت قد أزفت فيه أيام شهر شعبان ليبزغ بعده هلال شهر رمضان، وهذا يدل على يقظة في نفسه بحيث أن للأيام وتقادمها معيارا يؤسس عليه حساباته، ومن علامات السعادة الإحساس بتساقط أورال العمر ولذا فهو يريد شد الهمة في طريق الخير وعمل الصالحات، والبعض - وللأسف - لا يولي اهتماما بانقضاء عمره، فتمر عليه المناسبات الزمانية دون أن تنشط نفسه لالتقاط الفرصة، إذ تعاهد ما يصدر عنه من سلوكيات إيجابية أو سلبية أولى خطوات إصلاح النفس وتهذيبها، فمن يحيا حالة الغفلة ولا يحسب حسابه ليوم سيقف فيه بين يدي الله عز وجل ناشرا صحيفة أعماله.
ومن المهم تدارك ما فات وتصحيح مسار الأخطاء والذنوب التي وقع فيها، فقد يحيا الإنسان فترة من عمره حالة من الغفلة عن الحق قد أصابته سكرة المعاصي وارتكاب الموبقات، فهل يعني ذلك أنه لا يمكن له الخروج من هذا الحال السيئ فيرجع إلى الله تعالى نقي الثياب من شوائب الآثام؟!
طريق الإنابة والاستغفار مفتوح في كل وقت وعليه أن يأخذ المبادرة للتغيير، وما عليه إلا أن يتخذ قرارا بالرجوع إلى الله تعالى، وهذا ما لا يمكن حصوله إلا من صاحب الإرادة القوية والهمة العالية.
في الدعاء الرضوي ما يعلمنا درسا في تقليل الخسائر ووقف تسلسلها، فما فات قد ولى ولا يمكن تعويضه أو تغييره إلا من خلال التوبة الصادقة والندم الحقيقي بالتحسر على سوء حاله فيه، ولكنه الآن يشمر عن ساعديه بقوة الإيمان للتعويض في المرحلة القادمة متجنبا حفر ومكر الشيطان، فإن من خطوات الشيطان الرجيم أن يعمل على مداهمة العاصي بالقنوط من رحمة الله تعالى، فيعظم في نفسه ويصعب عليه مسألة التوبة والإقلاع عن الذنوب إلى أن يصل به إلى قرار التمادي والإيغال أكثر فأكثر في وحل المعاصي.
?