إيحاءات قرآنية.. الرقابة المجتمعيّة
قداسة النصّ الدينيّ، والقابليّة الشديدة لتأثّر المتديّنين به، تجعل التعامل معه وفي دائرته بالغ الحساسيّة؛ بيانًا وتفسيرًا واستدلالًا ووعظًا، فلا يصحّ أن تكون مهمّة القيام بذلك متاحة لكلّ أحد، ولا متروكة دون رقابة عامّة من قبل المجتمع المتديّن نفسه؛ لأنّهم هم من سيتأثّرون به، ويصنعون واقعهم ومستقبلهم ومصيرهم من خلاله.
وللوصول إلى حالة الرقابة المجتمعيّة على الخطاب الدينيّ يعرض القرآن الكريم نماذج من أحوال الأمم والمجتمعات الدينيّة السالفة، لغرض إلفات أذهان المؤمنين إلى أنّ الانحراف قد يطال بعض من يتظاهر بالتخصّص في قراءة النصّ المقدّس وفهمه، فيتّخذ من النصّ نفسه أداة لهدمه، وتزويره، وحرفه عن معانيه الحقيقية، وأهدافه المتعالية.
إنّ من أخطر مظاهر الانحراف الدينيّ والفكريّ استغلال مكانة النصوص المقدّسة، وعظمة قائليها في نفوس المتديّنين، لتمرير الأفكار المختلقة، وتحقيق الغايات الشخصية، غير الموزونة بمعايير الحقّ والهدى، والاستناد في ذلك تارة إلى تحريف مضمون الكلام الصادر عن الله وأوليائه، وتارة أخرى إلى تفسيره بتفسيرات مشوّهة بعيدة عن الثوابت الواضحة في العقيدة والتعاليم الدينية، أو باللجوء إلى طريقة الابتسار وأخذ ما يوافق الهوى والمزاج الشخصي من آيات القرآن وروايات المعصومين مثلًا، وغضّ النظر عن ما يعارضه.
وتتبيّن خطورة هذه الظاهرة القابلة للتحقّق في أيّ مجتمع في أنّ عدم قيام الجمهور المتديّن بمسؤوليته في الرقابة قد يؤدّي بهؤلاء المتجاسرين على حريم النصوص المقدّسة إلى الجرأة الصريحة على الله تعالى وأوليائه، ونسبة ما يعلمون بكذبه وتدليسه إلى الدين، في خديعة مؤسفة من الجماهير المستغفلة!
﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - سورة آل عمران؛ 78.