آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

يكفينا تناحُر

عصام المرهون

من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالنَّظَرِ، وَأَعِزَّنِي، وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ، وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلاَ تُفْسِد عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ“

قبل فترة ليست بالبعيدة وفي حقبة التطرف الديني من جميع الأديان والمذاهب والملل التي عشناها كان العُجب توقيعاً وختم مصادقة على جميع سلوكنا، كنا نعيش في وسط دوائر حزبية متناحرة ومتفرعة ومتشعبة بشكل عنكبوتي مُخيف، كانت المعايير السطحية والشكلية هيَ ما تحكم أمننا واستقرارنا وهيِ ما تقيم صلاحنا وورعنا… ولا أُذيع سراً إذا قلت إنه لا تزال بقايا وتبعات هذه الحقبة موجود ليومنا هذا.

كٌنا منقادين مسيرين لأعراف جماعتنا، مناهضين ومُعادين لِجماعاتٍ أخرى، مدافعين ومقاتلين لكل قيمنا ومعاييرنا… نزداد قيمةً ووزناً كلما كُنا منقادين انقياد القطيع لرؤوس أهرامنا. وكان يحكم نزاهتنا كثرة مخالطتنا واجتماعتنا ولو كان على حساب مصالحنا الشخصية والأسرية، قوة التزامنا بشكليات العبادة ومدى التصاقنا بالمسجد والمحافل الدينية وأداء الشعائر، ويزيننا بأعين الآخرين طأطأة رؤوسنا وانقيادنا وكذلك شكل لباسنا ولِحانا والخاتم والمسبحة التي بأيدينا، والجانب النسائي في هذا المجتمع هو المعيار الأصيل ولربما الوحيد لكوننا أشرافاً، وواقع الحال هو أصدق ما يُقال عنا: ”هُم قَومٌ شُرَفاء مَا دامت بناتهم عَذارا، حتى لو كذَبوا ‏أو قَتلوا ‏أو سَرقوا اللقمَة مِن جَيب الفُقراء“.

كٌنا من العُجب بأنفسنا وعباداتنا متمثلين تماماً ما قاله أبو عبدالله : ”لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم وطنطنتهم بالليل، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركها استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة“.

تناسينا تماماً بأن الدين المعاملة وأن العباد إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق.. تطرفنا جانباً بما فيه وعيد الله وعذابه وبطشه وناره، وتناسينا رحمته الواسعة ومحبته.. كان الشخص فينا يُعد فاجراً كافراً خارجاً من الدين والملة حين اقترافه خطأً بسيطاً ربما بينه وبين نفسه أو ربه لم يضُر أو ينتهك فيه حق أحدٍ من عباد الله.

لم نكُن سليمي القلب البتة. كانت قلوبنا مشحونةً ريناً وحقداً وبغضاء وضغينة على جميع خلق الله، نعُد أنفسنا الفضيلة البشرية الخاصة المنتجة، خلفاء الله على عباده في أرضه، نُسلي أنفسنا بأننا وحدنا الماسكين على دين الله المسؤولين بكل جبروتنا وما أوتينا من قوة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذين لا تأخذنا في الله لومة لائم… نعيش جواً من الحرب والجهاد على توافه الأمور وشكلياتها.

أين غابت عنا سماحة الدين ولغة الحب وسلوك الرحمة، أين معاملة دين الحبيب المصطفى وأخلاق أهل بيته.. أين كنا من هذا كله؟؟