آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

شهر التوبة 4

محمد أحمد التاروتي *

النعم الإلهية على الإنسان تتجاوز التفكير الضيق، والنظرة المحدودة جراء الجهل الذي يعيش فيه، فمهما توسعت مدارك الإنسان، وامتلك العلوم في شتى المجالات، فإنه سيبقى جاهل في الوصول إلى الكثير من الحقائق، سواء على الإطار الذاتي أو على المستوى الخارجي، ”وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها“ و”سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى? يتبين لهم أنه الحق“، فالوصول إلى هذه الحقيقة عنصر أساسي في التسليم، والإقرار بالحاجة المستمرة إلى التوفيق الإلهي ”ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا“.

الاعتراف بالجهل والقصور في الوصول إلى الكثير من الحقائق، لا يعني الاستسلام والبقاء في ظلمات الجهل، خصوصا وان الجاهل غير قادر على تحقيق معاني العبودية بالشكل المطلوب، نظرا لوجود موانع ذاتية تحول دون رؤية الأمور على حقيقتها، مما يستدعي التحرك المستمر لإزاحة الغشاوة عن القلوب، والعيون على الدوام، ”إنما يخشى الله من عباده العلماء“، وبالتالي فإن الإقرار بالجهل يمثل حافزا لبذل المزيد من الجهد للدخول في نادي العلماء، بهدف التعرف على المعاني السامية للعبودية، والتسليم بالنعم الكبرى، التي يصعب الخروج منها تجاه الخالق.

التحرك الجاد لرفع غشاوة الجهل عن القلوب والعيون، يستدعي وضع الخطوات المدروسة للحصول على تلك المرتبة السامية، خصوصا وان الرغبة في التعلم لوحدها ليست قادرة على تحقيق الأماني على أرض الواقع، فالعملية بحاجة إلى الكثير من العمل والمثابرة عبر انتهاج السبل المختلفة، فتارة عبر تخصيص الأوقات للجلوس في المحافل العلمية، وتارة أخرى تكون بواسطة بذل الأموال في سبيل الاستزادة من مختلف أنواع العلوم، لا سيما وان التذلل في سبيل العلم عنصر أساسي للحاق بركب العلماء.

العلم يساعد في تغيير الكثير من المفاهيم، والعديد من القناعات السائدة، لاسيما وان النظرة ”العلمية“ تتباين تماما عن النظرة ”الجاهلة“، فالأولى تنطلق من رؤية أكثر دقة للأمور عبر لكلية في مختلف الجوانب، سواء الظاهرية أو الباطنية، والابتعاد عن ردود الأفعال الارتجالية والعاطفية، فيما النظرة الثانية تركز على الأمور الظاهرية دون الغوص في بواطن الأمور، الأمر الذي يسهم في الدخول في إشكالات عديدة، وبالتالي فإن امتلاك العلم يسهم في وضع الأمور في النصاب السليم في الغالب، نظرا للقدرة على القراءة المناسبة، والتعاطي بشكل عقلاني مع الأمور، بعيدا عن العصيبة أو المزاجية في الغالب.

العلم قادر على كشف الكثير من الحقائق، فالعالم ينظر إلى نعمة الإسلام بطريقة مختلفة تماما عن النظرة المنطلقة من النظرة ”الجاهلة“، فالدخول في الدين الإسلامي نعمة كبرى يدرك بعض جوانبها العلماء، فيما يصعب على أدعياء العلم سبر أغوارها، الأمر الذي يفسر الاختلاف الكبير في التعاطي مع التعاليم الإسلامية، فالعالم يدرك بعض الحقائق المترتبة على الأوامر الإلهية، مما يجعله أكثر قدرة على إظهار هذه النعمة على السلوك الخارجي، فيما قصور الجاهل في معرفة حقيقة نعمة الإسلام يحرمه، من الحصول على المعاني السامية لحقيقة هذا الدين العظيم.

العلم يمثل الشمعة التي تضيء الطريق أمام المرء، في تجاوز الكثير من الصعاب على المستوى الذاتي، فالعلم يعطي صاحبه الكثير من الشحنات في سبيل إنقاذه من الوقوع في الأخطاء الكارثية، الأمر الذي يتجلى في تجنب الكثير من الأمور، خصوصا وان العالم يحاول توظيف حصيلة سنوات التحصيل في طريق النجاة عبر مختلف الطرق، ولعل أبرزها محاولة تجسيد الدين الإسلامي على السلوك سواء داخليا أو خارجيا، انطلاقا من إدراك أهمية الحفاظ على هذه النعمة الكبرى، التي اختصه الله بها، ”حيث يقول الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - في دعائه إذا دخل شهر رمضان“ الحمد لله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.

والحمد لله: الذي حبانا بدينه، واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه، لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا ".

كاتب صحفي