آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

غفوة العقل وتمكن التفاهة

كاظم الصالح *

تعرف العولمة الرقمية بأنها العملية التي تمكن الأفراد والمؤسسات من الاتصال وتبادل المعلومات عبر الإنترنت، وتتيح لهم الوصول إلى أي شيء في أي وقت ومن أي مكان، تعتبر العولمة الرقمية جزءا من العولمة العامة ولها أهمية كبيرة في تحويل العالم إلى قرية صغيرة،

مما سهلت للبشر حياتهم في سهولة التواصل البشري، ألا إن هناك اثار سلبية تفرضها العولمة الرقمية على المجتمع، وذلك من خلال تتبع الشخصية السطحية، إذ يؤدي انخفاض مستويات التحصيل الثقافي والعلمي إلى النموذج الاستهلاكي الذي ترتبط به العولمة الرقمية، حيث تقلل من قدرة المجتمع على النقد الثقافي والفكري، مما يساهم في انتشار ثقافة التفاهة والتسلية السطحية بشكل أكبر، وبالتالي فإن العولمة الرقمية قد تقلل من القدرة على خلق ثقافة شائعة وإنتاج محتوى إبداعي، وقد تؤدي إلى انعدام الوعي الثقافي والاجتماعي، وبالتالي تلين قدرات المجتمع في مواجهة التحديات الثقافية والفكرية التي قد يواجهها.

وتشكل شبكات التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من العولمة الرقمية وتؤثر بشكل كبير على الثقافة. فهي تفتح أبوابا للتواصل والتفاعل بين الثقافات وتوفر مجموعة متنوعة من الأفكار والمعلومات والتجارب. ومع ذلك، قد يحدث تأثير سلبي على الثقافة عندما يتم إرضاء الجماهير من خلال الرغبة في الاستمتاع بالترفيه السطحي على حساب المحتوى الثقافي العميق والمهم. لذلك، يجب توجيه الكثير من الجهود للحفاظ على جودة المحتوى وتشجيع الناس على البحث عن المعرفة القيمة والمفيدة، والتي تساعد على تطوير العقل والاستفادة من كافة الفوائد التي توفرها الثقافة، علينا أن نتذكر أن شبكات التواصل الاجتماعي هي وسائل استكشاف العالم وليست بديلا عنه.

من جانب آخر، تدور الإشكالية حول مفهوم التفاهة في وسائل التواصل الاجتماعي في ظل زيادة الاهتمام بالمحتوى السطحي، والتركيز على إنتاجية الربح المادي، على حساب الجودة والمحتوى الثري. فالتفاهة تشمل الأفعال والأفكار التي تخلو من القيمة الثقافية والمعنوية، والتي لا تساهم في تنمية الفرد أو المجتمع، مما يؤدي إلى تدني المستوى الفكري والثقافي للمجتمع، وتأثيرها السلبي على العقل البشري وقدرته على التفكير الإبداعي أو النقدي، وحتى لو كان للعقل قدراته المختلفة، إلا أن العقول العقيمة تفتقد بشكل خاص القدرة على توليد الأفكار الجديدة والإبداعية، لذا يجب على الفرد أن يتجنب الوقوع في فخ التفاهة والبحث عن مصادر إلهام تعزز التفكير الإبداعي وتنمي العقل.

من جانب آخر، يعتبر تدني المستوى الفكري والثقافي للمجتمع إحدى الآفات التي تؤثر مباشرة على الثقافة والمجتمع. يمتد هذا التدني إلى جميع المجالات والفئات العمرية، ويظهر بأشكال عدة مثل قلة القراءة والتأثر بالتفاهات وعدم الاهتمام بالتحصيل الثقافي، مما يؤثر سلبا على مستقبله واستقراره.

يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة تعزيز الوعي الثقافي والتركيز على المحتوى الجيد والمفيد الذي يعكس قيم الثقافة وتراث الأمة، ويجب حماية الهوية الثقافية والأخلاقية من التدني المستمر، وهذا لا يتم إلا بتعزيز التفكير الإبداعي والعميق ورفع مستوى الوعي الثقافي عند الأفراد والمجتمعات.

تعتبر التفاهة إدمانا نفسيا يؤثر على العقل البشري ويمنعه من التفكير الإبداعي وتحقيق الأهداف. لذلك، يجب على الأفراد العمل على التخلص من العوامل المؤثرة في هذا الإدمان، وتعزيز النشاط الإبداعي والثقافي، ويمكن للأفراد تحقيق ذلك عن طريق قراءة الكتب القيمة والروايات الملهمة، ومشاهدة الأفلام والوثائقية التي تثري العقل وتحفز الإبداع، كما يمكن استغلال الوقت في القيام بأنشطة بناءة، مثل التطوع في العمل الخيري أو الرياضة المناسبة للشخص. يجب أيضا تطوير قدرات الفرد في مجالات الهوايات التي يستمتع بها وتحفز الإبداع لديه، ويمكن تحقيق ذلك بالالتحاق بدورات تدريبية، والتعليم الذاتي، وحضور الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تحفز الإبداع وتعمل على تغيير الأفكار السلبية والآراء الهدامة للفرد والمجتمع.

ويعتبر تغير المعايير الثقافية من الأسباب الرئيسية للتفاهة المنتشرة في المجتمعات اليوم، فمع تطور العولمة والانفتاح على المجتمعات الأخرى، تتغير القيم والمعايير الثقافية، مما يؤدي إلى تشويه صورة الحضارات والثقافات المتنوعة، وينعكس هذا التغير على السلوكيات الاجتماعية، ويؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع، مثل انخفاض مستوى التعليم والثقافة والوعي، وارتفاع معدلات الجريمة والعنف، لهذا السبب يتطلب حل هذه الإشكالية بالتركيز على تطوير ودعم المحتوى الثقافي الجيد، وتعزيز الوعي الثقافي لدى المجتمع، وتوفير الأدوات والمنصات اللازمة للإنتاج الإعلامي الذي يعزز التعليم والوعي والثقافة والتقدم الاجتماعي.

كاتب مهتم بالفكر والفلسفة، عضو جمعية الفلسفة السعودية