آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 1:14 م

شهر التوبة 3

محمد أحمد التاروتي *

إظهار الشكر على نعم الخالق تتجلى في الكثير، من الأعمال عبر الممارسة اليومية، وكذلك تظهر في طبيعة التفكير من خلال التعاطي مع مختلف الأمور، حيث يشكل الشكر خطوة أساسية لارتقاء النفس، وقمع التمرد الداخلي، مما يمهد الطريق أمام الوصول إلى العبودية تجاه الخالق، ”لئن شكرتم لأزيدنكم“، فالشكر بما يحمل من دلالات قادر على إحداث تغييرات واضحة لدى المرء، إذ تبرز في التطبيقات العبادية تجاه النعم الكبرى للخالق في الحياة الدنيا، ”ألقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.“

تمتع الإنسان بالصحة والعافية لأداء فريضة الصيام، يستدعي الشكر على الدوام من المسلم، حيث يتجلى الشكر في أداء الصيام على الوجه الأكمل، فالإقدام على ممارسات سلوكيات شاذة، لا ينسجم مع مبدأ الشكر للخالق، خصوصا وان شهر الصيام من العبادات التي تسهم في الارتقاء بالذات، من خلال السيطرة على الشهوات على اختلافها، وبالتالي فإن وجود القدرة الجسمانية والإرادة المعنوية، لأداء هذه الفريضة الإسلامية العظيمة، يترجم من خلال إظهار المزيد من الشكر، والتذلل الدائم كإقرار عملي على توفيق الله على بلوغ شهر الصيام، ”أول ما يجب عليكم لله سبحانه، شكر أياديه وابتغاء مراضيه“.

المعرفة التامة بضرورة الإقرار بالضعف والاستكانة، يمثل خطوة أساسية للوقوف أمام المحاولات الشيطانية للكفر بأنعم الله، ”لا يعرف النعمة إلا الشاكر، ولا يشكر النعمة إلا العارف“، خصوصا وان خطط الشيطان لا تتوقف عند محطة محددة، ولكنها مستمرة طوال حياة الإنسان، مما يستدعي من المرء التحرك في اتجاه التقرب إلى الخالق، من خلال المحافظة على العبادات على اختلافها، باعتبارها طريقا أمام لمقاومة الإغراءات الشيطانية، حيث يشكل الإقرار بالضعف الكامل محركا أساسيا للجوء إلى الله في جميع الأمور، فالشعور بالقوة يدفع الإنسان للإقدام على أعمال فظيعة، مما يشكل بداية الانحدار، والسير نحو الهاوية، بخلاف الشعور الداخلي بمحدودية الطاقة، وعدم القدرة على مناطحة السماء، ”وخلق الإنسان ضعيفا“، مما ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التفكير، والحرص على الالتزام بالأوامر الإلهية للفوز بالنجاح.

فريضة صيام شهر رمضان المبارك، من أكبر النعم على الأمة الإسلامية، فهذه الفريضة تخلق أجواء عبادية استثنائية، على الصعيد الشخصي أولا، والاجتماعي ثانيا، فالجميع يدرك ماهية تلك الأجواء بمجرد دخول الشهر الكريم، حيث تظهر انعكاسات الصيام على السلوك الداخلي، والخارجي للصائم، فضلا عن المظاهر الخارجية على البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يفسر الاهتمام الكبير من الجميع على إحياء الشهر الفضيل، نظرا للمساحات الواسعة التي تتركها هذه الفريضة الإسلامية على الصعيد العبادي، بمعنى آخر، فإن شهر الصيام يستدعي الشكر من الصائم على الدوام، خصوصا وان شهر الفضيل يفتح الطريق أمام المسلم، للعودة إلى الجادة بعد أشهر من التخبط والنسيان، وأحيانا الاستسلام للنفس الأمارة بالسوء، وبالتالي فإن فرصة الصيام تعتبر مساحة قادرة على تحرك النفس بالاتجاه الصائب، من خلال ترويض الذات على رفض النزوات والشهوات طوال ساعات النهار، بهدف الارتقاء بالنفس في مواجهة الغرور الذاتي، وقتل مختلف أسباب التكبر، الذي يدمر الذات الإنسانية، ويقضي على البذرة الصالحة لدى الإنسان.

الغاية الكبرى من الالتزام بفريضة الصيام تتمثل في الفوز بالجنان، بالإضافة إلى الحصول على رضوان الله تعالى، بهدف الانسجام مع غاية الإنسان في الحياة الدنيا، فالصيام كما يروض الذات فإنه يصقل النفس من خلال التذلل الكامل لله، فضلا عن الشكر على الهداية في طريق الحق، وكذلك القدرة على أداء الشكر عبر الصيام في شهره الكريم، ”قال الله - عز وجل - لموسى بن عمران : يا موسى، اشكرني حق شكري، قال: يا رب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك والشكر عليها نعمة منك؟ فقال الله تبارك وتعالى: إذا عرفت أن ذلك مني فقد شكرتني حق شكري“.

وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين إذا دخل شهر رمضان

الحمد لله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.

كاتب صحفي