آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 8:23 م

قيمٌ لا قيمة لها

عصام المرهون

في دروس أخلاق سيد الساجدين ”اللَّهُمَّ بَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ، وَبِعَمَلِي إِلَى أَحْسَنِ الأَعْمَالِ“

يتقدم بنا العمر، ونزداد بصيرةً ونضجاً، ونكتشف خطأّ القيم والقناعات والمعايير التي كُنا نعتنقها صغاراً، ندرك ضحالة تفكيرنا وسخافة تأثير من حولنا في بعض الأحيان، وفي إحدى المراحل العمرية خطأً نتصور بإننا وصلنا لمرحلة من الرشد ووضوح رؤية حقائق وجوهر الأمور مرحلة لا نتقبل أي فكرة أو رأي مخالف لما نعتقد بل تصل بنا الأمور على نحوٍ ما لتشكيل صدام وعدواة لمن له قناعة تخالف ما نحن عليه، نكون حينها على يقين بأن رأينا صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غير خطأ لا يحتمل الصواب.

وحقيقة الأمر بأننا جميعاً على خطأ! وسنستمر طيلة حياتنا مخطئين، حقيقة الأمر هِيَ أننا ننتقل من مستوى خطأ كبير إلى مستوى خطأ أقل حجماً من سابقه «ولكننا في حقيقة الأمر لا نزال مخطئين»، والحقيقة التي تحتاج إلى شجاعة لنعترف بها هيَ - أن وصولنا للحقيقة المطلقة ضرب من ضروب الاستحالة. فكما كان أسلافنا يعتقدون بأن الأرض مسطحة وأن الشمس تدور حول الأرض وأن قضم الأظافر عادة سيئة وأن الطماطم من فصيلة الخضر... كذلك سوف يأتي جيل من بعدنا ب500 عام يسخرون من قيمنا واعتقاداتنا وينظرون شزراً للمشاحنات والحروب والعلاقات التي كنا نعيش، ويتنفسون ضجراً على ما عُثناه فساداً وخراباً في كوكبنا وفي فصيلتنا البشرية، فواقع الحال بأن مستوى الإضرار بكوكبنا الذي أحدثناه نحن بنو البشر في الخمسين سنة الأخير فقط اكبر بكثير مما أحدثه أسلافنا في آلاف السنين التي سبقتنا، فبرأيك ماذا كانت غايتنا من فعل ذلك؟ وماهي قيمنا واعتقاداتنا التي حرضتنا على ذلك؟

في وقفة صادقة مع النفس نحتاج احياناً إلى أن نقلل من مستوى الثقة بأنفسنا أو أن نضع أنفسنا في مستواها الصحيح من الحقارة التي أشار إليها الإمام في تتمة الدعاء، كذلك ونعيد النظر بقيمنا وقناعتنا وأفكارنا التي نتبناها ليس مشككين فيها فقط بل موقنين بأن جميعها ليست على صواب، نفتح لأنفسنا نافذة نعيد من خلالها طرح استفهامات جديدة في أصل ومنشأ كل اعتقاد لدينا ونعاود بكل تجرد وضعها على ميزان الحق والمنطق ومدى مجاورتها للصحة والصواب.. نطلب من الله الهداية والرشاد.. ونطلق العنان للتأمل والغور في قيم ومعتقدات كل مخالف لنا، نتعلم منه ونتقبله وبرجاحة العقل التي وهبنا الله إياها نتجرأ بشجاعة على تجويدها حتى لو كان ذلك سبباً لفتح باب من الخلافات مع المجتمع من حولنا، لنكون ولو بالشيء اليسير من التجرد والاستقلالية قد وفينا حق هبة العقل الذي منحنا إياها خالقنا.