آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

الثقافة الإلكترونية

محمد أحمد التاروتي *

التعاطي مع القنوات الإلكترونية يختلف باختلاف القناعات الذاتية، فهناك شريحة ليست في وارد استقاء المعلومات من الأجسام الجامدة، نظرا لتدني المصداقية في الكثير من المعلومات المتداولة، الأمر الذي ينعكس على التركيبة الفكرية، مما يولد وعيا ”مضطربا“ جراء الحصول على بيانات مغلوطة، فيما تنطلق شريحة أخرى من قدرة القنوات الإلكترونية على تغذية العقول البشرية بكم وافر من المعلومات، فالتطور المتسارع وطبيعة التفكير البشري، تفرض التركيز على الغذاء الإلكتروني، نظرا لسرعة انتقال المعلومة، والقدرة على الحصول عليها بشكل سهولة ويسر، بخلاف العقود الماضية التي اتسمت بالصعوبة الكبرى، في اكتساب المعارف على اختلافها.

المبررات التي يسوقها الطرفان، تجد أنصار وكذلك تحظى بقبول لدى بعض الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان الاعتماد على البيانات المتداولة عبر القنوات الإلكترونية، يخلق الكثير من المشاكل على صعيد الثقافة الذاتية، نظرا لقدرة تلك البيانات على رسم توجهات محددة في طريقة التفكير، وكذلك تحديد طبيعة التحرك على الإطار الاجتماعي، وبالتالي فإن حصر الثقافة على الجانب الإلكتروني يمثل مشكلة حقيقية، الأمر الذي يستدعي التحرك في جميع الاتجاهات لتشكيل رؤية، وقدرة على تطوير الذات في مختلف المجالات المعرفية.

كما ينطلق الفريق المناصر للثقافة الإلكترونية من الوقائع على الأرض، إذ استطاعت القنوات الإلكترونية فرض هيمنتها على الواقع الخارجي، بحيث بات العالم الافتراضي جزءا من التفكير البشري، ويشكل محورا أساسيا في تحريك المفاهيم الثقافية، نظرا لقدرة الواقع الافتراضي على الوصول إلى الجميع دون عناء يذكر، وبالتالي فإن تجاهل السيطرة الكبيرة للقنوات الإلكترونية على مختلف المجالات المعرفية والحياتية، بمثابة وضع ”الأصبع“ في العين، بمعنى آخر، فإن الدعوات المنطلقة من ”العداء“ الصريح للثقافة الإلكترونية، لا تضع في الاعتبار الحقائق على الأرض، مما يتسبب حرمان بعض البشر من الوجبات الدسمة، التي تقدمها القنوات الإلكترونية، في مختلف المجالات المعرفية.

أنصار الطريقة التقليدية في اكتساب المعارف، ينطلقون من الفوضى العارمة التي خلقها العالم الافتراضي، في نشر الكثير من البيانات الكاذبة، فالشبكة العنكبوتية تعج بمئات الملايين من البيانات المكذوبة، مما يجعل عملية الركون إلى جميع ما يتناقل، عبر الوسائل الإلكترونية نوعا من ”الحماقة“ وبالتالي فإن محاولات تسويق البيانات الإلكترونية عبر الكثير من البرامج العدائية، لا يحجب الحقائق على الأرض، ”لا تحجب الشمس بغربال“، فالدعوة إلى التريث في استقاء المعلومات من العالم الافتراضي، لا تمثل موقفا سلبيا تجاه التطور التكنولوجي، والعزوف عن توظيفه بما يخدم الجانب المعرفي، فهذه الدعوة تركز على ضرورة وضع المعلومات الدقيقة في الاعتبار، وعدم التسليم الكامل بكل ما تتناقله القنوات الإلكترونية من بيانات.

فيما يعتبر الفريق المناصر للثقافة الإلكترونية، إعلان الرفض التام للبيانات المتداولة في العالم الافتراضي، ينم عن موقف سلبي وغير تصالحي مع القفزات الكبرى، التي حققتها الثورة التكنولوجية في مختلف المجالات، خصوصا وان ”الجمود“ على الطريقة التقليدية يعكس تخوفا غير مبرر على الإطلاق، تجاه سهولة انتقال البيانات، وبالتالي فإن محاولات الالتفاف على الموقف المعارض، بشعارات متعددة ”البيانات الكاذبة“، لا يمكن تفهمه على الإطلاق، خصوصا وان الإنسان قادر على التمييز بين الغث والسمين في مختلف الأمور، وبالتالي فإن الحصول على المعلومة السريعة لا يمثل الإيمان بها، وإنما تعتبر طريقا للوصول إلى المعلومات الحقيقية، من خلال اعتماد التمحيص، والبحث الجاد لتنمية الجوانب المعرفية، بهدف الحصول على المعرفة الحقيقية، بعيدا عن التزييف أو التحريف.

تبقى الثقافة الإلكترونية واقعا قائما في الوقت الحاضر، مما يفرض التعاطي معها بطريقة مباشرة، بيد أن التحدي يكمن في القدرة على اكتشاف البيانات، ذات القدرة على زيادة الجوانب المعرفية لدى الإنسان، بهدف إحداث تغييرات واضحة في بنية التفكير، تجاه مختلف الجوانب الثقافية، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الموقف، تجاه هذه النوعية من الثقافة المنتشرة حاليا، جراء المتغيرات الكبرى في طريقة استقاء البيانات على اختلافها.

كاتب صحفي