آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:04 م

زمن الذوق والقراءات

زكي بن علوي الشاعر

أدركتُ أميين وأميات لا يقرأون ولا يكتبون ينشدون الشعر ولا يهدمون أوزانه، سواءً كان الشعر شعبيًّا أم فصيحًا، وإن رفعوا منصوبًا، أو جروا مرفوعًا؛ ولكنهم يقيمون موسيقى الشعر الخارجية.. ولعل لسعة أوقاتهم وبركتها دورًا في صقل ملكة إدراك ما هو موزون، وما هو منهدم.

وكنا نسمع أن الخطيب لا يصعد المنبر، حتى يتقن إنشاد الشعر، ويصنعه خطيب أو عالم على عينه، ولم يكن المبتدئون يتعجلون صعود المنبر؛ إذ غاية أحدهم الإتقان والإحسان، شأنهم شأن أصحاب الصناعات الأخرى.

ويرتقي المنبر اليوم من يهدم الشعر، فيسهم في إفساد أذواق المستمعين، فأين خطباء الأمس الذين أسهموا في تربية أجيال تتذوق الشعر وزنًا ومعاني؟!

في عام 1426 هـ ، كنت في قم المقدسة، فشكوت ظاهرة فساد ذوق كثير من الخطباء، واقترحت على أمثال سماحة الشيخ عبد الله درويش أن يهتم هو وكبار الخطباء بتدريس الخطباء المبتدئين علم العروض، وألا ينشد خطيب مبتدئ قصيدة فصيحة أو شعبية/نبطية، إلا روايةً عن شيخ/أستاذ متقن؛ لنتلافى هذه الظاهرة المؤسفة.. ولم أر أحدًا من كبار الخطباء اهتم بما نصحت به، على أن الشيخ وغيره أنعموا، وقالوا ما فحواه أن ما نصحت به حل وعلاج لتلك الظاهرة المريضة.

وقد يدرس ألفية ابن مالك من لا ينشدها إنشادًا مستقيمًا، مع أنها أرجوزة، والرجز حمار الشعراء - كما يقال - أي: وزنه سهل، كما أن شراء الحمار وامتلاكه وركوبه سهل.. هذا وبحرها الرجز! فكيف يقيم أوزان بحور شواهد اللغة والنحو؟! هذا حالنا اليوم، وهذه مصيبة؛ فإنا لله، وإنا إليه راجعون!!

وفي هذا الزمان العجيب، نرى من يناظر، فيستدل بآية، فيخطئ في قراءة القرآن الكريم، فإذا صحح مناظره خطأه، قال: ”هذه قراءة، فاذهب وادرس علم القراءات، وأتقن القراءات، ثم ارجع وصحح وصوب لمثلي!!“، ولا يسعني إلا أن أترحم على أولئك الذين كانوا يصوبون لنا أخطاءنا إذا قرأنا، من أمثال أبي ميرزا: الحاج عبد الرسول البحارنة، وأبي السيد شبر: علوي القصاب، وغيرهما، وأدعو بالصحة والعافية لأبي منير: الحاج عبد الرضا من آل قيصوم الكرام.

ومن عجيب ما سمعت أن هذا الذي ادعى الإمامة «أحمد إسماعيل البصري» إذا أخطأ في قراءة القرآن، اعتذر أتباعه بأن تلك قراءة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم!!

أين هذا وذاك من تجويد القرآن ومن القراءات؟! ولكن:

زماننا كأهله وأهله كما ترى

ورحم الله ملا باقر المدن الذي أنشدنا هذا البيت.

ومن عجيب ما قد ترى وتسمع أنك إذا صوبت لأحد نصًّا - شعرًا كان أو نثرًا - قال: ”هذا يجافي ذوقي!!“، وما هذا بذوق ولا سليقة؛ إنما هو الهوى.

كتبت - أيها القارئ العزيز! - لأعلمك أن هذا «زمن الذوق والقراءات»، فادع معي: ننسف العلوم والفنون والصناعات، ونحتكم إلى الأذواق/الأهواء!!