آخر تحديث: 6 / 10 / 2024م - 1:38 م

الانحسار الوجودي

محمد العلي * مجلة اليمامة

خلال قرن واحد، سيطرت الإرادة العربية على بلدان مترامية الأطراف تمتد من غرب الصين إلى جنوب فرنسا، وعلى بشر مختلفي الدرجات في سلم الحضارة، وانتشرت لغتهم وعقيدتهم على تلك الحضارات التي تسبقهم زمنيا في المدنية، ولكن تلك السيطرة دخلت في نفق الانحسار الوجودي الفاجع، وأقسى مظاهره يتمثل في الانحسار من الأندلس بعد ثمانية قرون من السيطرة الكاملة علما وأدبا وازدهارا إلى احتلا هولاكو بغداد «عام1258م» حيث قتل معظم سكانها وأضرم النار في بيت الحكمة حيث الثروة العلمية والفكرية التي لو بقيت لكانت الأمة غير تلك التي هزئ بها المتنبي وسخر منها المعري.

رماد التاريخ هذا أعاده أمامي  ثانية  مقال للدكتور الفاضل علي فخرو في جريدة الخليج في «16 /2 /23م» يقول فيه: «في الآونة الأخيرة أصبح كل حدث كبير يلم بهذه الأمة سواء كان طبيعيا أو معنويا يكشف الكثير من المستور، ويشير إلى تراجعات مأسوية موجعة، ويحمل دلائل أخطار مستقبلية قادمة، والسبب الواضح الصريح غياب أو تشتت المواجهة العربية المتضامنة المشتركة للتعامل مع تلك الأحداث»

هذا التعليل لا نجده في كتابات كثيرة اكتفت بذرف الدموع أو ذرف القصائد لمواجهة هذا الانحسار. لقد حاول المناضل مالك بن نبي، حين طرح مفهوم «الاستجابة للاستعمار» ولكنه لم يوضح سبب هذه الاستجابة الذي أشار إليه الدكتور فخرو وهو تشتت الإرادة الجماعية. فمنذ خلافة المعتصم الذي سلم قيادة الجيش إلى همجية الأتراك، والإرادة العربية في انحسار، إلى أن اكتمل هذا الانحسار في خلافة المتوكل ثم استمر في متاهته. وطرح بن نبي إصابة الأمة ب «الذهان» وهو فقدان الاتصال مع الواقع، ولكنه بدلا من بدء العلاج من الواقع اقترح البدء من الأفكار. وهذا يعني إخضاع تفسير الواقع للأفكار كما اقترح سيد قطب من بعده، في حين أن الحقيقة تقول غير ذلك، تقول: إن الواقع هو ينبوع الأفكار، ولا تفهم الأفكار إلا بالرجوع إليه.

فقدان الاتصال بالواقع هو الذي يجعل الأمة عاجزة عن علاج أي خلل يصيبها في حاضرها، ويجعل أنظارها متعلقة بماضيها لا سيما إذا كان مزدهرا كماضي الأمة العربية، والسبب لهذا كله هو داء الفرقة، وهو داء مزمن قبل وبعد من قال:

«وتفرقوا شيعا فكل مدينة

فيها أمير المؤمنين ومنبر»

هل قرأت ما قاله ابن حزم عن تلك الفترة؟.

كاتب وأديب