آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

شهر رمضان وضيافة الرحمن

عبد الرزاق الكوي

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أيُّها الناسُ، قد أظَلَّكُم شَهرٌ عَظيمٌ، شَهرٌ مُبارَكٌ، شَهرٌ فيهِ ليلةٌ العَمَلُ فيها خَيرٌ مِن العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ... هُو شَهرٌ أوَّلُهُ رَحمَةٌ وأوسَطُهُ مَغفِرَةٌ، وآخِرُهُ عِتقٌ مِنَ النارِ»

دعوة إلهية كريمة وعالية الشأن وذات مواصفات خاصة كلها خير ورحمة وطمأنينة تتفتح فيها أبواب الجنان وتغل فيه سبل الشيطان تنتظر الاجابة من التواقين للفوز والنجاة وتصحيح المسار بعد أيام قلائل.

هذه الضيافة تختلف عن كل الضيافات الدنيوية وما تقدم فيها من أنواع الأطعمة والهدايا في قاعات فاخرة، فالمضيف في هذا الشهر الكريم هو الله عز وجل، وليس بعد كرمه كرم ولا بعد عطاياه عطاء، عكس العطاءات الدنيوية المادية والمعنوية، الضيافة الدنيوية يمكن تشمل التكلف والتفاخر ونيل المكانة والتنافس، لكن العطاء الإلهي عطاء بلا حدود، ضيافة تنجي بمقابل عمل بسيط، ولهذا حريا بالضيف ان يقدر هذا العطاء، وان يكون اهلا له، وذو جهوزية تليق بالمضيف، لا يقارن المؤمن هذه الضيافة بضيافة ابن أو اخ أو صديق قريب ترفع فيه التكلفة وتلغى فيه الرسميات، ولا تلزم فيه آداب الضيافة، بل لا يقارن بأعظم الضيافات الدنيوية مكانة ورسمية، سواء المناسبات الدينية والاجتماعية والعملية وغيرها ذات الأهمية، يحرص الضيف فيه على ان يكون على اكمل وجه من الاداب والملبس والحضور الذهني والتهيئة النفسية، واحترام قواعد المناسبة.

المضيف في الشهر الكريم رب العباد جل جلاله، بحضور مناسبته تحتاج إلى جهوزية واستعداد خاص يليق بمكانه الكريم، فالفضائل في هذا الشهر الكريم لا تعد ولا تحصى، كما جاء عن النبي صلى الله عليه واله:

«أَيُّها النَّاسُ إِنَّهُ قَد أَقبَلَ إِلَيكُمْ شَهرُ اللهِ تَعَالَى بِالبَرَكَةِ وَالرَّحمَةِ وَالمَغفِرَةِ، شَهرٌ هُوَ عِندَ اللهِ أَفضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامَهُ أَفضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيالِيهِ أَفضَلُ اللَّيالِي وَساعاتُهُ أَفضَلُ السَّاعاتِ، وَهُوَ شَهرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيافَةِ اللهِ، وَجُعِلتُمْ فِيهِ مِنْ أَهلِ كَرَامَةِ اللهِ، أَنفاسُكُمْ فِيهِ تَسبِيحٌ، وَنَومُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقبُولٌ، وَدُعاؤُكُمْ فِيهِ مُستَجابٌ..»

ذو الحظ السعيد من سعى لان يكون من اهل العطاء والرحمة في هذا الشهر، ليربي نفسه، ويطهر قلبه ويصلح من سلوكه ويرفع قيمة ذاته، ليعلو شأنه ويفوز فوزا عظيما وجزاء وفير، من النعم الإلهية التي تشكل منعطفا في مسيرة الأنسان بعد مرور عام من شهر رمضان الماضي وصولا لهذا الشهر من هذا العام، وما رافق ذلك من تقصير وتراخي تحتاج إلى اصلاح وهذا الشهر هو شهر الاصلاح وكلاً حسب جهده وما يبدله ليحصد نتيجة عمله.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أيُّها الناس، مَن حسّنَ مِنكم في هذا الشهرِ خلُقَه، كانَ له جَوازاً علَى الصراطِ يومَ تَزلّ فيه الأقدام. ومَن خفّفَ في هذا الشهر عمّا ملكتْ يمينُه، خفّف اللهُ عليه حسابَه. ومَن كفّ فيه شرَّه، كفَّ اللهُ عنه غضبَه يومَ يلقاه..»

عرف مكانة هذا الشهر الرسول صلى الله عليه واله والائمة الاطهار ، كانو فيه أكثر استعدادا وحثو المسلمين على تعظيم شأنه والبعد عن الغفلة فيه بالقضايا الدنيوية والأهواء الشخصية وان لا ينقضي هذا الشهر المبارك والمؤمن خالي الوفاظ، أو والعياذ بالله هاتك لحرمة أو مقصر لعظمة هذا الشهر المبارك بأعمال منافية.

الدعوة لا تقدر بثمن بسطت فيها الرحمة الإلهية كرمها، ومدًت سفرتها ثلاثون يوما، ونوعت خيراتها، وفتحت السماوات أبوابها وغلت ايدي الشياطين فيها، فرصة استثنائية سوف يتحسر عليها من فوت هذه الضيافة وانشغل عنها.