آخر تحديث: 11 / 11 / 2024م - 5:58 م

أسرار الكتابة الحديثة

فاضل العماني * صحيفة الرياض

يبدو أن الكتابة كفعل وقيمة وتأثير، تمر بمرحلة تجديدية هائلة طالت الكثير من أسرارها ومستوياتها وطقوسها، فهي - أي الكتابة - ليست بمعزل عن كل ما يحدث من تغيرات وتحوّلات وتطورات فكر ومزاج وسلوك المجتمعات والشعوب والأمم.

الكتابة بكل أشكالها وألوانها وأنواعها، بدأت تتجه وبشكل سريع نحو التطور التكنولوجي واستخدام الأجهزة الذكية، وتُحاول قدر الإمكان المزاوجة والمواءمة بين المكانة والدور من جهة وبين العصرنة والرقمية من جهة أخرى، وتلك بلا شك عملية شاقة وممارسة مضنية، ولكن كل ذلك يستحق للوصول لموازنة معقدة ما بين القيمة والاستهلاك في الكتابة الحديثة.

أسرار وطقوس الكتابة الحديثة، كثيرة ومتنوعة، ولكنني اخترت سبعة منها فقط وهي:

الأول: الكتابة المباشرة التي تنساب برشاقة وسلاسة لعقل وقلب القارئ الحديث الذي لم يعد يتحمل الكثير من الفذلكة والاستعراض الذي يُمارسه بعض الكتاب. والكتابة المباشرة، لا تعني مطلقاً التخلي عن فنون وآداب الكتابة الإبداعية.

الثاني: الكتابة القصيرة التي تكتنز الأفكار والأهداف والتي لا تتطلب وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً من القارئ الحديث الذي لم يألف المعلقات والمطولات وأصبح ميالاً للقراء والإطلاع بشكل سريع ومركّز وهو ما يتلائم ويتواكب مع طبيعة وظروف العصر الحديث الذي أصبح يُعرف بعصر السرعة.

الثالث: الكتابة القريبة من شؤون وشجون القارئ الذي يبحث عن أجوبة لأسئلته وحلول لإشكالاته، وهذا لا يعني أن تُفصّل الكتابة على رغبة ومزاج القارئ، ولكن الأفضل أن تكون عملية تبادلية وتوافقية بين الكاتب والقارئ، وحتى لا يكون أحدهم في وادٍ والآخر في وادٍ آخر.

الرابع: الكتابة التفاعلية التي تتناسب وتتناغم مع طبيعة وواقع عصرنا الحديث، حيث تغيرت قواعد اللعبة/ الكتابة ولم يعد هناك كاتب مرسل ينتظره قارئ يستقبل ذلك المحتوى الذي يُقرره ويفرضه الكاتب، ولكن الأمر لم يعد كذلك، فالكتابة الحديثة ممارسة تفاعلية وتكاملية بين الكاتب والقارئ، وعلاقتهما البينية الآن أكثر تداخلاً وتشابكاً.

الخامس: الكتابة الموضوعية التي ترفض قدر الإمكان أن تكون تجميلية أو إقصائية، بل على العكس تماماً، فهي كتابة تبحث عن الحقيقة النسبية التي تقترب كثيراً من الموضوعية والواقعية، مستخدمة الأدوات والآليات والأدلة المتفق عليها، لتزرع الثقة والطمأنينة والقناعة في قلب وعقل وسلوك القارئ.

السادس: الكتابة التقنية التي تستخدم وتوظف بمهارة وحرفية وسائل ووسائط التقنية الحديثة ومنصات وشبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى أعلى نسب القراءات والمشاركات من قبل الجماهير العنكبوتية التي تُتقن - بل تُدمن - هذه الوسائل والشبكات التي تُسجل وتُحطم ارقاماً مليونية في فترات زمنية قياسية.

السابع: الكتابة المتحررة من أسوار وقيود النمطية والتقليدية، وهي الكتابة التي تُحرّض على الغوص في أعماق الدهشة والجدل، وهي الكتابة التي تعشق التحليق في سماوات المتعة والألق. الكتابة المتحررة، حالة متقدمة من الكتابة العصرية التي ترسم خارطة مدهشة في تضاريس القلب وسجلات العقل.