المصير المشترك
التحرك بطريقة انفرادية ينم عن أنانية، ونزعة شخصية غير مطلوبة على الصعيد الاجتماعي، فالإحساس بأهمية التحرك الجماعي مرتبط بالمنظومة الأخلاقية، وكذلك تبعا للمفاهيم الثقافية لدى الأفراد، لا سيما وان الانعكاسات المترتبة على سيطرة الروح الجماعي على التفكير الاجتماعي، تدفع باتجاه تعظيم هذه المفاهيم لدى مختلف الشرائح الاجتماعي، سواء من خلال المفردات المستخدمة أو الممارسات الحياتية، فالجميع يدرك حجم الخسائر المترتبة على التحركات الفردية على الصعيد الجمعي، انطلاقا من المثل الشائع ”الشاردة للذئب“ وبالتالي فإن سيطرة مفاهيم الأنانية في الثقافية الاجتماعية، لا يخدم المصالح المشتركة، بقدر ما يولد انعكاسات خطيرة على الإطار الجمعي.
الإحساس بأهمية التحركات الجمعية خطوة أساسية، في عملية تدعيم المفاهيم المشتركة، فالعملية نابعة من الثقافة الاجتماعية السائدة، بحيث تسهم في وضع معايير ثابتة في المرتكزات الفكرية لدى الأفراد، الأمر الذي يتجلى في المسارعة باتجاه إحداث تحولات ملموسة على الصعيد الاجتماعية، فعملية تكريس مفاهيم المصير المشترك ليست مرتبطة بفئة دون أخرى، وإنما تتشارك فيها مختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا لما تحدثه من تفاعلات إيجابية على صعيد الممارسات الحياتية لدى الأفراد، بحيث تبرز على أشكال متعددة، بعضها ذات علاقة بطريقة التفكير الذاتي، والبعض الآخر ناجم عن إحداث تغييرات في السلوك الاجتماعي، الأمر الذي يساعد في وضع الآليات المناسبة، لتعظيم مفاهيم المصير المشترك على الصعيد الجمعي.
التحديات التي تواجه البيئة الاجتماعية، تشكل أحد العناصر الأساسية في رفع مستوى الوعي، بضرورة تكريس مفاهيم المصير المشترك لدى مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصا وان المخاطر الناجمة عن التحركات الفردية تخلق الكثير من المشاكل على الصعيد الاجتماعي، جراء اتخاذ القرارات ذات البعد الشخصي، وتغليب جانب ”الأنانية“ على الجوانب الاجتماعية، بحيث تشكل خطورة كبرى على المفاهيم الثقافية الداعمة للعمل الجماعي، بمعنى آخر، فإن مواجهة التحديات الاجتماعية على اختلافها، تستدعي وضع برنامج جماعي قادرة على تجاوزها بطريقة مناسبة، لاسيما وان معالجة التحديات بمجهودات فردية تستنزف الكثير من الطاقات، وتدخل البيئة الاجتماعية في منزلقات يصعب الخروج منها، الأمر الذي يفرض اتباع الوسائل الأكثر عقلانية لتجاوز التحديات على اختلافها، بحيث تظهر على أشكال تعاون اجتماعي عبر استخدام مختلف الآليات والطرق، لتقليل حجم التداعيات المترتبة على تلك التحديات الاجتماعية.
تغليب المصالح المشتركة يشكل عنصرا فاعلا، في تكريس مفاهيم العمل الجماعي لدى الشرائح الاجتماعية، فالخشية من تعرض البيئة الاجتماعية لانتكاسات خطيرة، أحد العوامل المساعدة لزرع المصير المشترك لدى الأفراد، خصوصا وان النزعة الفردية تدفع باتجاه مواقف غير مدروسة، بهدف الحصول على مكاسب مؤقتة، بيد أن محاصرة ”الأنانية“، وتحجيم النزعة الفردية، يساعد في إشاعة مفاهيم العمل المشترك لدى بعض الفئات، التي تحاول توظيف المجتمع للحصول على بعض المكاسب، وبالتالي فإن الشعور بأهمية التحرك بشكل جماعي خطوة أساسية، في مشروع تكريس مفاهيم المصير المشترك على الصعيد الاجتماعي.
يصعب حصر مفاهيم المصير المشترك ضمن دائرة محددة، أو وضعها في إطار ضيق، خصوصا وان المفاهيم ليست مرهونة بحقبة زمنية، وإنما تكرس وفقا للثقافة الاجتماعية السائدة، بيد أن المنظومة الأخلاقية تشكل الإطار الجامع لمختلف المفاهيم عبر الحقب الزمنية، وبالتالي فإن البيئة الاجتماعية تشكل المحور الأساسي في وضع الأطر المناسبة، لمفاهيم المصير المشترك، باعتبارها الحاضنة الرئيسية لمختلف الفئات الاجتماعية، مما يساعد في توظيف الإمكانات المتاحة في عملية رسم خارطة تلك المفاهيم، بما يتواءم مع الواقع المعاش والظروف الاجتماعية السائدة، بحيث تترجم عبر الممارسات الحياتية اليومية لدى مختلف الأفراد.
المصير المشترك يسهم في قمع بعض الممارسات ”الأنانية“، التي يحاول البعض تغليبها لمصالح شخصية، خصوصا وان المصير المشترك لا يخدم فئة دون أخرى، بقدر ما يتحرك لخدمة مختلف الأطراف للنهوض بالبيئة الاجتماعية، والعمل على إذابة الاختلافات لمواجهة مختلف التحديات على جميع الأصعدة.