آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

المجتمع واحتواء الكفاءات

من سمات المجتمعات المتقدمة أنها تولي اهتماماً بالغا باستقطاب أصحاب الكفاءات العلمية والفكرية لما تناه في علمها وقناعتها بأن حضارة الأمم تبنى بالثروة والطاقات البشرية وإن كل حضارة لا تقوم إلا على الكفاءات العلمية.

ولا يقف الأمر على الاستقطاب فحسب بل يتبع ذلك تهيئة كل السبل المحيطة بالشخصية الكفؤة من توفير وسائل الراحة والتطوير العلمي وتوفير مناخ وأجواء علمية تنمو فيها مهارات وقدرات هذه الكفاءة

وفي دائرة مجتمعنا فإن للأسرة أهمية فائقة في إنشاء وبناء الفرد الكفوء ورسم مسار وتوجه مستقبلي ناجح لأفراد الأسرة من خلال التشجيع والتقدير وتعاهد إنشاء جيل طموح يتسم بالمهارات والقدرات العلمية العالية.

كما أن للمجتمع دور رئيس في احتواء الكفاءات والاهتمام بها وتقديرها وتبنيها وتنميتها بالدعم المادي والمعنوي

والإشادة بمنجزاتها العلمية والعملية ويبقى كل ذلك مرتبطاً بوعي المجتمع وإدراكه بأن بناء الكفاءات في المجتمع يحدد مدى تقدم المجتمع وتطوره.

وجرت العادة في المجتمع أن يحتفى بالشخصيات الكفؤة بعد الوفاة وذكر محاسنها ومآثرها وحسب!!! وفي حدود ونماذج بسيطة وتغيير هذه العادة من أولويات الوعي الاجتماعي ومعرفة قيمة الكفاءات في المجتمع فمن الأولى أن يحتفى بالشخصية الكفؤة في وجودها حتى تعم الفائدة لكلاهما المجتمع وكل كفاءة علمية من شريحة العلماء والأدباء والأطباء والمهندسين.

وتجاهل المجتمع للكفاءة يتسبب في انزواء وانطواء الكفاءة على الذات والشعور بعدم تقدير المجتمع لمكانته وكفاءته الشخصية وبتالي هجرة العقول المبدعة بحثا عن التقدير ومستقبل أفضل لتحقيق المكاسب.

ويهتم المجتمع بتكريم المتفوقين دراسيا ويغفل عن تكريم أصحاب العطاء من العلماء والأدباء والمفكرين لذلك فإن الاحتفاء بهؤلاء الكفاءات وتكريمهم ورصد الجوائز التقديرية لهم يزيد من تزايد أعداد الكفؤين ويتحقق المجتمع المتحضر.

وحتى لا يدخل المجتمع في منحدر التخلف فإن التطلع إلى زيادة أعداد الكفاءات في الوسط الاجتماعي من تحديات العصر الحديث ويتطلب علاقة تفاعل ودعم من قبل المجتمع لكل شخصية كفأة ليتمكن المجتمع من التنافس على التقدم وتتويج جيل كفوء يكون في مصاف المجتمعات المتقدمة.

وتعد الشخصيات الكفؤة أفضل شريحة اجتماعية يبنى عليها تقدم المجتمع لما اتصفت به من قدرات ومهارات علمية أو فنية عالية حيوية وفاعلة يحتاجها المجتمع والوطن ويمكن الاستثمار بقدراتها عبر إشراكها في مشاريع اجتماعية ووطنية فراس المال البشري من أفضل الاستثمار في العصر الحديث للمجتمعات الإنسانية.

ومجتمع الأحساء والقطيف يزخر بالكفاءات العلمية المغمورة والتي نشير في هذا المقال بأن تنمية وتطوير المجتمع لهؤلاء المبدعين جزء منه قائم على مبادرات رجال المجتمع المرموقين من الوجهاء ورجال الأعمال والمتمكنين وتحقيق ذلك من خلال إنشاء مشروع مجتمعي يحوي برامج دعم ترعى وتكرم كل كفاءة علمية مغمورة لأن هذه الثروة من الكفاءات مكسب للمجتمع ومن المؤكد فإن العلاقة بين المجتمع والكفاءات تبادلية فكلما ارتفع تقدير ودعم الكفاءات سوف ينعكس تأثيره على الكفؤين والرغبة في رفع سقف العطاء والإبداع من قبلهم وينعكس عطاء هؤلاء المبدعين على المجتمع ويتحول إلى مجتمع متطور ومتقدم ومنتج.

وحديثاً تم إنشاء جمعية كفاءات الأهلية بالأحساء لتنمية الطاقات البشرية عام 2022م من قبل نخبة من الكفاءات الرائدة التي تتحلى بخبرات طويلة وتجارب ناجحة وهي جمعية غير ربحية وتقدم خدمات مجانية والتي من ضمن برامجها تطوير المهارات الشخصية والقيادية ونشير للطاقات الشابة التعرف على خدمات وبرامج جمعية كفاءات والاستفادة من برامجها المتعددة لتطوير وتنمية الكفاءات.

فعلى صعيد مجتمع الأحساء والقطيف هناك مبادرات اجتماعية محدودة من شخصيات بارزة ومرموقة قامت بتكريم بعض رجال العلم والأدب تستحق الإشادة وجميل الذكر وكلما اتسعت هذه المبادرات فإن ذلك يساهم في تزايد أعداد الكفاءات المتنافسة والحصول على مجتمع الكفاءات وإيجاد بيئة ومناخ تكون فيه منطقتنا إحدى الحواضن المنتجة للكفاءات

والتي منها إقامة حفل تكريم في الأحساء تحت عنوان: ”كتابي 2 ”للاحتفاء بالكتاب والكاتبات من أسرة بوخمسين تحت شعار «نفتخر بكتابك» مبادرة من الوجيه رضا بن الشيخ حسن بوخمسين وبلغ عدد الكتاب والكاتبات الذين تم الاحتفاء بهم في هذا العام واحد وعشرين كاتبًا وكاتبة، مقابل أحد عشر في حفل كتابي ”1 ”عام 2019.

وكذلك أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف برعاية من الوجيه الشايب في برامجه لتكريم الشخصيات الثقافية والاجتماعية في كل موسم حفلا تكريميا للعلامة السيد علي السلمان لجهوده العلمية والاجتماعية المتميزة ودوره في حفظ وتعزيز السلم الأهلي ودعمه للعديد من المشاريع الاجتماعية والصحية في المنطقة.

ومن الأسر التي نبغ منها كفاءات علمية ناشئة أسرة العيثان والتي حصد أبناؤها جوائز علمية خلال العام المنصرم ونفخر بمنجزاتهم على مستوى محافظة الأحساء فقد حصد الطالب هادي العيثان ميدالية فضية في أولمبياد الرياضيات الدولي وحازت الطالبة النابغة دانة العيثان على المركز الأول في مُسابقة ايسف الدولية فيما يتعلق بالكيمياء.

وتقام احتفالات وتكريمات لشخصيات علمية وأدبية هنا وهناك لكنها على مستوى الصالونات والمنتديات الأهلية المحدودة والمصغرة ومع تقدم المجتمعات الإنسانية وتطورها والسعي لجذب العقول وتنمية الكفاءات فإن أهمية احتواء وبناء الكفاءات تتزايد يوماً بعد يوم مما يتطلب تأسيس مشروع مجتمعي يرصد ويوثق ويدعم الأعمال والنتاج الفكري والأدبي والعلمي والفني للكفاءات والمبدعين من العلماء والأدباء والأطباء والمهندسين بمجتمعنا والاحتفاء بإنجازاتهم وتكريمهم بإقامة مهرجان وحفل موسمي مشرف يليق بعطائهم على مستوى منطقة الشرقية.