آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

النظرة الشمولية

محمد أحمد التاروتي *

الحلول الجزئية للأزمات الاجتماعية، ليس سلاحا ناجعا في جميع الاحوال، فهي ليست قادرة على اقتلاع المشاكل من جذورها، مما يهدد باستمرار تلك الأزمات لفترة يصعب التكهن بها، خصوصا وان اللجوء إلى الحلول الجزئية يكشف بعض القصور، في التعاطي المطلوب مع مختلف الأزمات الاجتماعية، الأمر الذي يدفع البعض لمحاولة ”رش“ بعض المسكنات المؤقتة، بهدف إحداث حالة من الرضا الذاتي أولا، والاجتماعي ثانيا.

التحركات الجزئية لتطويق الأزمات الاجتماعية، تخلط الأوراق على الجهات الفاعلة في المجتمع، من خلال إيصال رسائل خاطئة بإمكانية السيطرة على الأوضاع، ووجود إرادة صادقة بمعالجة الأزمات بشكل صحيح، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الخطط المرسومة، لتحريك العناصر للأدوات الضرورية لإنهاء الأزمات، وبالتالي فإن اللجوء إلى الحلول الجزئية بمثابة ”حيلة العاجز“ في بعض الأحيان، نظرا لما تحدثه من انعكاسات غير ملموسة على العقل الجمعي الاجتماعي، خصوصا وان تلك التحركات الجزئية تمهد الطريق لتخدير الجهات الفاعلة في المجتمع، من خلال الركون إلى ”المسكنات“ عوضا من استخدام المعالجات الجذرية، انطلاقا من القناعة السائدة بضرورة استخدام ”المشرط“ لاجتثاث الأزمات من جذورها.

البيئة الاجتماعية المستسلمة إلى الحلول الجزئية، تجد نفسها قاصرة في خلق الظروف الملائمة، للقضاء على الأزمات بالطريقة السريعة والفاعلة، من خلال استخدام بعض الأساليب الآنية، وغير القادرة على وضع الأمور في المسار السليم، خصوصا وان التعاطي مع الأزمات الاجتماعية يتطلب الكثير من الجهد، والمزيد من العمل لتفادي انتشارها في المجتمع من جانب، والحيلولة دون بروزها كأزمات مزمنة في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية من جانب اخر، فالاستسلام والتراخي يقضي على روح المقاومة، ويشل التفكير الإيجابي في التحرك السريع، نظرا لوجود مناخ سائد بقدرة الحلول الجزئية على إيجاد المعالجات المناسبة، الأمر الذي يسهم في تفاقم الأمور، ويحول دون إيجاد البيئة المثالية في وضع الأساليب القادرة، على اقتلاع تلك الأزمات بشكل نهائي.

التعاطي بشكل منفصل مع الأزمات يسهم في إيجاد الحلول المناسبة، خصوصا وان محاولة التحرك بطريقة غير مدروسة، يفضي إلى الفشل في بعض الأحيان، الأمر الذي يستدعي التحرك بشكل منفصل بهدف إيجاد المعالجات الضرورية، فهناك بعض الأزمات بحاجة إلى الحلول السريعة للقضاء عليها، نظرا لما تمثله من خطورة على البيئة الاجتماعية، وقدرتها على تأزيم الأوضاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مما يستدعي التعاطي معها سريعا، فيما تتطلب بعض الأزمات التأني، واستبعاد الحلول الارتجالية أو غير العقلانية، نظرا لوجود انعكاسات يصعب تلمسها بصورة مباشرة، مما يفرض القراءة المتأنية للوصول إلى المعالجات اللازمة، بمعنى آخر، فإن تجزئة الأزمات الاجتماعية لا تعني الاتكال على الحلول الجزئية، فالتجزئة تمنح الجهات الفاعلة في المجتمع فسحة من المناورة، والتحرك بعيدا عن الضغوط الكبيرة، لا سيما التغاضي عن بعض الأزمات يسهم في تكريسها في الثقافة الاجتماعية، مما يخلق حالة من الفوضى الثقافية لدى بعض الفئات الاجتماعية.

النظرة الشمولية للأزمات الاجتماعية تسهم في تحريك الجانب الإيجابي، وتقضي على حالة التراخي المتجذرة لدى بعض الجهات الفاعلة بالمجتمع، خصوصا وان القصور في التعاطي مع الأزمات الاجتماعية ينشر أمراض كثيرة، بعضها يمس التفكير الفردي والبعض يضرب في صميم البنية الاجتماعية، بحيث تصبح تلك الأزمات جزء لا ينفصل من الممارسات اليومية، وبالتالي صعوبة اقتلاعها من العقل الجمعي.

رؤية الأزمات الاجتماعية بشكل واضح، عنصر أساسي في إيجاد المعالجات الضرورية، خصوصا وان النظرة القاصرة تمنع من الحصول على الحلول اللازمة، مما يقود إلى المزيد من التعقيدات على الصعيد الاجتماعي، فهناك العديد من الأزمات الاجتماعية بحاجة على الحلول النهائية، للحفاظ على الاستقرار النفسي لدى المجتمع، لاسيما وان تفاقم تلك الأزمات ينعكس بصورة مباشرة على الحركة الاجتماعية، بحيث تظهر على أشكال مختلفة، بعضها يترجم على الصعيد الثقافي، والبعض الآخر يظهر على شكل الهزيمة النفسية.

كاتب صحفي