يا لسعد الطالع. القطيف والعَلَم السعودي
«وإذا نظرتَ إلى البقاع وجدتها
تشقى كما تشقى النفوس وتسعد»
ابن نباتة المصري
لا مراء في أنَّ القطيف من البقاع التي فازت بالقِدْح المعلَّى من سهام الحظ السعيد؛ بانضوائها تحت ظل العلم الأخضر، في ثاني مراحل تطوُّره، وقبل أن يستقرَّ على الصورة التي هو عليها اليوم، فقد أنسَت برفيفه على رؤوس نخيلها في المرحلة الثانية من مراحل تطوُّره الست، يوم كان رقعة خضراء تمثل النماء والبهاء، وجملتي التوحيد: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»؛ آنذاك لم يزل الملك عبد العزيز «طيب الله ثراه» يخطو خطواته الأولى في بناء دولته الفتية حاملاً كنية أمير نجد ورئيس عشائرها [1] .
علاقة القطيف بالأسرة السعودية
يشدُّ القطيف بهذه الأسرة النبيلة وثاق نسب، ووثاق وطن، فوثاق النسب أن آل سعود ينتمون لقبيلة حنيفة من قبائل بكر بن وائل بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان [2] ، ومعلوم أن أشهر قبائل القطيف هي عبد القيس بن شن بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن مَعَدٍّ بن عدنان [3] ، فالقبيلتان تلتقيان في جديلة، ومن حيث الوطن: إن قبيلة حنيفة التي ينتمي إليها آل سعود؛ كانت تستوطن واديًا يعرف باسمها في اليمامة، حتى زمن محمد بن يوسف العلوي الهاشمي، الملقب ب «الأخيضر»، فألحقها بالإمارة التي أقامها في القطيف أوائل العقد الأول من النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، بحدود سنة 252 هـ 866م [4] . كما أن جدَّ الأسرة السعودية الأعلى؛ مانع بن ربيعة المريدي؛ كان مسكنه الأول بلدة الدروع المعروفة بالدرعية الأولى [5] .
ويحدد الشيخ عبد الرحمن العبيد الدرعية الأولى بأنها: «اليومَ تقع في أرض صحراوية مهجورة حسب موقعها من المصور الجغرافي، فإنها تبعد من الدمام مسافة 5,43 كيلاً، وهي تقع شمال بقيق، وآبارها محفورة باليد، وما تزال معروفة» [6] . وحسب تحديد هيئة التراث فتبعد عن القطيف نحو الغرب بخط مستقيم «45كم»، وتبعد عن الظهران نحو غرب شمال «30كم» وهذا هو الأدق والله أعلم [7] .
كان الآباء يؤرِّخون بتسمية السنة بأعظم حادثة وقعت فيها، مثل سنة الرحمة: «الهيضة، أو الكُليرا»، وسنة الطبعة [8] ، ومن ذلك ما عرف ب «وقعة الشربة»، أو «سنة الحصارة»، وحكايتها - باختصار - أنه في أواخر الحكم العثماني للقطيف كانت السلطنة تلفظ آخر أنفاسها، فعجزت عن حماية نفسها، فضلا عن حماية الناس، فعمت الفوضى، واختل الأمن حتى اضطر الناس لترك منازلهم وممتلكاتهم، والهرب من ذلك الجحيم، وقد بلغت الفوضى ذروتها في سنة 1326 هـ ، بما سمي بوقعة الشربة [9] ، فمع ما عرف من كثرة العيون في القطيف وغزارة مياهها إلا أنَّ إسالة المياه لم تكن قد عرفت آنذاك، وما كان معروفًا هو بيع الصبيان الماء في السوق؛ واتفق أن أحد الصبية يحمل شربة يبيع الماء؛ فطلب منه أحد البدو شربةَ ماء، فأعطاه الماء، ولما شرب البدوي الماءَ رفض دفع ثمن ما شرِبه، فتلاسنا،، وتطور الأمر إلى شجار، فبادر أحد الحاضرين لفض النزاع، فدفع للصبي ثمن شربة الماء إلا أن الصبي تعنت وتنشب في البدوي، فاستل البدوي خنجره يريد ضربه، فاتقاه الوسيط فأصاب الخنجر رأسه خطأ، لكن أحد الوقوف تسرع فاندفع وأخبر أخا المصاب بأن أخاه قتله البدو، وكان هذا من المتنفذين في الدولة «ضامن المكوس»، فخرج وخلفه خدمه المسلحون، فتعقبوا البدو وقتلوا منهم جماعة، فكانت هذه شرارة حروب ضارية حاصر فيها البدو القطيف، مدة تقرب من ستة شهور، لم يسلم من القتل فيها حتى النساء [10] . تلت هذه الواقعة وقائع أخرى استمرت خمس سنوات، خاضت القطيف فيها بحورًا من الدم، وشهدت عشرات من المجازر الوحشية، والغارات لا تنقطع بين يوم وآخر، والأحوال الاجتماعية تزداد سوءًا على سوء، والتوتر بين البداة والأهالي على قدم وساق، والاشتباك المسلح لا ينقطع طيلة أيام السنة”[11] .
تلك كانت حال البلد في الفترة السابقة لدخول الملك عبد العزيز القطيف: فَوْضى عارمة، وقتل ونهب، وفقدان للأمن، وتنازع الكراسي بين النافذين والمواطنُ يئنُّ تحت وطأة تلك الأوضاع، منتظرًا المخلص، إلى أن تناهى إلى مسامعه فجر أحد أيام جمادى الثانية سنة 1331 هـ أن الملك عبد العزيز أنهى مأساة الأحساء بإنهاء الحكم التركي فيها، وأنه بعث الشيخ عبد الرحمن بن سويلم يستطلع حال القطيف، وأنه مخيم في مريجيب «مريقيب [12] غربي سيهات، فاستبشر الناس بقرب الخلاص، وتم أول لقاء بينه وبين بعض أعيان القطيف، ووجهائها، في مريقب، ثم تلاه لقاء آخر في السراي، وبعد طرد الوالي التركي، مزوَّدًا بشهادة تخلي ذمته من مسؤولية تسليم البلد، قدِم الملك عبد العزيز إلى القطيف، والتقى الأعيان في مقر الحكم السابق «السراي» وتمت البيعة لجلالته [13] . هكذا تفيأت القطيف ظل العمل الأخضر لتصبح بعد ذلك وأختها الأحساء، أرض النماء والخير والبركة للوطن أجمع.