آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

تقدير الموقف

محمد أحمد التاروتي *

التهور في اتخاذ المواقف يجلب الكثير من الويلات على أصحابها، لا سيما وان المجازفة لا يمكن التنبؤ بنتائجها، مما يولد حالة من التصادم المباشر مع الأطراف الأخرى، خصوصا وان ردات الفعل تجاه المواقف المتهورة تتفاوت تبعا لقدرة الأطراف الأخرى على الامتصاص، وكذلك على مدى التعامل مع تلك المواقف، الأمر الذي يتجلى في اختلاف ردات الفعل تجاه تلك المواقف المتهورة، وبالتالي فإن محاولة قراءة المشهد العام يمثل الوسيلة المناسبة، للتعاطي بوعي مع الأزمات على اختلافها.

البطولة الزائفة تشكل أحد العناصر الداعمة لانتهاج المواقف المتهورة، فهناك شرائح تحاول ممارسة دور يتجاوز حجمها الطبيعي، من خلال وضع سياسات انتحارية يصعب السيطرة عليها، الأمر الذي يتسبب في الكثير من الكوارث على الصعيد الاجتماعي، فالشعور بالقوة ”الوهمية“، وغياب التفكير المتوازن، يدفع باتجاه المواقف الانتحارية، لاسيما وان هناك شرائح تحاول جر المجتمع باتجاه مسارات خطيرة، دون أدارك بخطورة تلك الخطوات المميتة، بمعنى آخر، فإن البطولة الزائفة تشكل خطورة كبرى على أصحابها بالدرجة الأولى، جراء فقدان القدرة على تصويب الخطوات الانتحارية، والتسبب في الانقسام الاجتماعي جراء المواقف المتهورة بالدرجة الثانية.

الغضب يحدث تداعيات سلبية على أصحابه، فالفشل في السيطرة على الانفعالات يدخل في مشاكل يصعب تصورها، مما يخلق حالة من العداء والانخراط في مسارات صعبة، فالعملية ليست في القدرة على اتخاذ القرارات، وإنما تكمن في وضع الأمور في المكان المناسب، خصوصا وان عملية التفاعل مع القضايا ظاهرة صحية، وتكشف عن الإحساس الكبير بمختلف الأزمات الاجتماعية، بيد أن المشكلة تكمن في غياب القدرة على انتهاج الوسيلة المناسبة، في التعبير عن الآراء العقلانية، بحيث يتجلى في التمسك بالمواقف المتهورة، الأمر الذي يسهم في تعقيد الأمور، والدخول في نفق مظلم يصعب الخروج منه، لاسيما وان المواقف الارتجالية وغير المدروسة تخلق حالة من التشابك، على الإطار الشخصي والاجتماعي في بعض الأحيان، ”إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم“.

اتخاذ المواقف العقلانية، والابتعاد عن الردود المتهورة، مرتبط بمستوى الوعي أولا، والقدرة على تفويت الفرصة على الأطراف الاستغلالية، من الحصول على مكاسب كبرى ثانيا، خصوصا وان المواقف العقلانية قادرة على ”تبريد“ ردود الأفعال المتشنجة لدى الأطراف الأخرى، مما يساعد في تهدئة النفوس، والدخول في حالة التصالح الاجتماعي، بخلاف المواقف المتهورة التي تتسبب في الكثير من المشاكل بالمجتمع، حيث تدفع باتجاه العداء والخصومة، الأمر الذي يسهم في توتير الأجواء العامة، والدخول في معركة حامية الوطيس، جراء تمسك بعض الأطراف ”بحق“ الرد على المواقف المتهورة، مما يساعد في حرق جميع الجهود المبذولة، لإزالة أسباب التوتر بين بعض الشرائح الاجتماعية.

تقدير المواقف يشكل الخطورة الأولى، للخروج من مأزق القرارات الانتحارية، فالتوازن وعدم الاستعجال في تبني المواقف المتشنجة، يساعد في تحريك الأمور في الاتجاهات التصالحية في الأوقات الحرجة، بحيث تظهر على أشكال مختلفة، بعضها يترجم في الابتعاد عن ردود الأفعال الارتجالية، والبعض الآخر يتجلى في البحث عن المخارج المناسبة، لإيصال الأمور إلى بر الأمان، من خلال تحريك الأمور المسائل بما يخدم البيئة الاجتماعية بالدرجة الأساس.

الحفاظ على رباطة الجأش، وعدم الانجرار وراء الاستفزازات المختلفة، والابتعاد عن الانفعالات، وكذلك عدم الاستجابة للضغوط الاجتماعية، عوامل فاعلة في القدرة على انتهاج المواقف العقلانية، تجاه الأزمات الاجتماعية، لاسيما وان الهدوء يعتبر العنصر الحاسم في إدارة الأمور بالشكل المناسب، فكلما امتلاك المرء أسباب التوازن النفسي والعقلاني تجاه المجريات الخارجية، كلما استطاع من اتخاذ المواقف المناسبة النابعة من رؤية شاملة، تضع في الاعتبار تقدير الأمور بما يحقق المصلحة الاجتماعية، في المقام الأول.

كاتب صحفي