آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:01 ص

الإمام الحجة عليه السلام في القرآن الكريم.

زاهر العبدالله *

قال تعالي: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ «105»الأنبياء.

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله تعالي في تفسير الآية: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ قال أبو جعفر : هم أصحاب المهدي في آخر الزمان. [1] 

ويدل علي ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي ﷺ أنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما قد ملئت ظلماً وجور. [2] 

مقدمة:

كل إنسان يسعي نحو الكمال بحسبه وبحسب مدركاته العقلية وميوله ورغباته قرباً وبعداً من الدنيا فرسوخ هذه الرغبة في نفس الإنسان البشري متجذرة في أعماقه بحديها الإيجابي والسلبي وما ننشده في هذا المقال هو أن نعرف مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه في القرآن الكريم وسنقف عند ثلاث محاور وهي:

1 - من هو الإمام الحجة ؟

2 - شواهد من القرآن الكريم دالة علي ضرورة وجود الإمام الحجة

3 - كيف يكون انتظاري نافعا ومفيدا؟

«1» من هو الإمام الحجة المهدي عجل الله تعالي فرجه؟

هو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر والأخير عند الشيعة الاثني عشرية؛ وهو موعود الإسلام عندهم وعند بعض علماء المذاهب الإسلامية. ولد في سامراء في 15 شعبان عام 255 هـ، وجرت فيه سنن الأنبياء من الغيبة وطول الحياة. خلف المهدي أباه الإمام الحسن العسكري وله خمس سنوات، وقد أعطي الحكمة صغيراً كعيسي ويحيي ، وعليه الملامح المأثورة في الإمامة.

وكان والده قد أخفي مولده لصعوبة الوقت، ورصد الأجهزة الحاكمة لأخبار المهدي، كما قد عرضه علي خواص أنصاره وأخبرهم بأمره. وقد وقع بعض الشيعة بسبب ذلك في حيرة إمامهم بعد استشهاد الإمام العسكري ، غير أن التوقيعات التي صدرت من الإمام المهدي والسفارة التي كانت بينه وبين الناس بوجود وكلاء أبيه والنواب الأربعة علي امتداد فترة سمّيت بالغيبة الصغري أوجبت تثبيت عقيدتهم، ورجوعهم عن الشك في أمره، وبعد أن بدأت فترة الغيبة الكبري في سنة 329 هـ انقطعت علاقة الشيعة بإمامهم بواسطة النائب الخاص.

الرسالات والمكاتيب الصادرة عن الإمام المهدي تضمنت مسائل علمية وغيبيّة عُرّفت أحيانا بالتوقيعات، كما يطلق عليه الناحية المقدسة.

يمثّل المهدي عند الشيعة كغيره من الأئمة الاثني عشر امتداداً للولاية الإلهية؛ ويكون الموت علي غير معرفة هؤلاء الخلفاء، بموجب حديث من مات ميتة جاهلية.

«2» شواهد من القرآن الكريم دالة علي ضرورة وجود الإمام الحجة

الشاهد الأول:

قال تعالي ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ «33» التوبة. تفسير الأمثل.

المقصود من الهدي هو الدلائل الواضحة، والبراهين اللائحة الجليّة التي وجدت في الدين الإسلامي.

وأمّا المراد من دين الحق، فهو هذا الدين الذي أصوله حقّة وفروعه حقّة أيضا، وكل ما فيه من تاريخ وبراهين ونتائج حق، ولا شك أن الدين الذي محتواه حق، ودلائله وبراهينه حقّة، وتأريخه حق جلي، لا بدّ أن يظهر علي جميع الأديان.

وبمرور الزمان وتقدم العلم وسهولة الارتباطات، فإن الواقع سيكشف وجهه ويطلعه من وراء سدل الإعلام المضللة، وستزول كل العقبات والموانع والسدود التي وضعت في طريق انتشار الإسلام.

وهكذا فإنّ دين الحق سيستوعب كل مكان، ولا يحول بينه وبين تقدمه شيء أبدا، لأنّ الحركات المضادة للإسلام حركات مخالفة لسير التأريخ وسنن الخلق.

الرّضا ىُظْهِرُهُ عَلَي جَمِيعِ الْأَدْيانِ عِنْدَ قِيامِ الْقَائِم «عجل الله تعالي فرجه الشريف»

وروي الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتي يخرج القائم ، فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتي لو كان هناك كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله. [3] 

الشاهد الثاني:

قال تعالي ﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا «55»النور. تفسير الأمثل. [4] 

وعلي كلّ حال يبدو من مجمل هذه الآية أنّ اللّه يبشر مجموعة من المسلمين الذين يتصفون بالإيمان والعمل الصالح بثلاث بشائر:

1 - استخلافهم وحكومتهم في الأرض.

2 - نشر تعاليم الحقّ بشكل جذري وفي كلّ مكان «كما يستفاد من كلمة «تمكين»...».

3 - انعدام جميع عوامل الخوف والاضطراب.

وينتج من كل هذا أن يعبد الله بكلّ حرية، وتطبق تعاليمه ولا يشرك به، ويتمّ نشر عقيدة التوحيد في كلّ مكان. أنتهي. روي عن السجاد [أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيةَ وَ قَالَ هُمْ وَ اللَّهِ شِيعَتُنَا أَهْلَ الْبَيتِ يفْعَلُ اللَّهُ ذَلِك بِهِمْ عَلَي يدَي رَجُلٍ مِنَّا وَ هُوَ مَهْدِىُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «صلي الله عليه وآله» فِيهِ لَوْ لَمْ يبْقَ مِنَ الدُّنْيا إِلَّا يوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِك الْيوْمَ حَتَّي يأْتِي رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي اسْمُهُ اسْمِي يمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً كمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً]

الشاهد الثالث:

قال تعالي ﴿وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ «5» القصص. تفسير الأمثل.

أنها نزلت في حق نبي الله موسي ولكن القرآن ليس خاص بزمان ويكشف اللّه في هاتين الآيتين الستار عن إرادته ومشيئته بشأن المستضعفين، ويذكر في هذا المجال خمسة أمور بعضها مرتبط ببعض ومتقاربة أيضا:

الأوّل: قوله تعالي: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ... لنشملهم بالمواهب والنعم.. إلخ.

الثّاني: قوله: وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً.

الثّالث: قوله: وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ‌ أي المستخلفين بعد الفراعنة والجبابرة.

الرّابع: قوله: وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‌ أي نجعلهم يحكمون في الأرض وتكون السلطة والقدرة وغيرهما لهم وتحت تصرفهم.. إنّ الآيات المتقدمة لا تتحدث عن فترة خاصة أو معينة، ولا تختص ببني إسرائيل فحسب، بل توضح قانونا كليا لجميع العصور والقرون ولجميع الأمم والأقوام…فهي بشارة في صدد انتصار الحق علي الباطل والإيمان علي الكفر..و هي بشارة لجميع الأحرار الذين يريدون العدالة وحكومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور. [5] 

روي عن السجاد وهو يسمع أحد اصحابه يقرأ قَوْلِهِ تعالي «وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» فَقَالَ لِي مَكانَك حَسْبُك وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً «صلي الله عليه وآله» بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً إِنَّ الْأَبْرَارَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيتِ وَ شِيعَتَنَا كمَنْزِلَةِ مُوسَي وَ شِيعَتِهِ. [6] 

رواية مهمة في إثبات أهل البيت

عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ «رحمة الله عليه» قَالَ: دَخَلْتُ عَلَي رَسُولِ اللَّهِ «صلي الله عليه وآله» فَلَمَّا نَظَرَ إِلَىَّ قَالَ: يا سَلْمَانُ «رحمة الله عليه» ّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ لَمْ يبْعَثْ نَبِىّاً وَ لَا رَسُولًا إِلَّا جَعَلَ لَهُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً

قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ «صلي الله عليه وآله» قَدْ عَرَفْتُ هَذَا مِنَ الْكتَابَينِ

قَالَ: يا سَلْمَانُ «رحمة الله عليه» فَهَلْ عَلِمْتَ نُقَبَائِي الِاثْنَي عَشَرَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِلْإِمَامَةِ مِنْ بَعْدِي فَقُلْتُ: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَم...

قَالَ يا سَلْمَانُ «رحمة الله عليه»: إِنَّك مُدْرِکُهُمْ وَ أَمْثَالُك وَ مَنْ تَوَلَّاهُمْ بِحَقِيقَةِ الْمَعْرِفَةِ قَالَ سَلْمَانُ: «فَشَكرْتُ اللَّهَ كثِيراً ثُمَّ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ «صلي الله عليه وآله» مُؤَجَّلٌ فِيَّ إِلَي أَنْ أُدْرِكهُمْ

فَقَالَ: يا سَلْمَانُ اقْرَأْ ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيکُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْكرَّةَ عَلَيهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِيراً.

قَالَ سَلْمَانُ: فَاشْتَدَّ بُكائِي وَ شَوْقِي فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ «صلي الله عليه وآله» بِعَهْدٍ مِنْك فَقَالَ: إِي وَ الَّذِي أَرْسَلَ مُحَمَّداً «صلي الله عليه وآله» إِنَّهُ بِعَهْدٍ مِنِّي وَ عَلِىٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَينِ وَ تِسْعَةِ أَئِمَّةٍ وَ کُلِّ مَنْ هُوَ مِنَّا وَ مَظْلُومٍ فِينَا إِي وَ اللَّهِ يا سَلْمَانُ ثُمَّ لَىُحْضَرَنَّ إِبْلِيسُ وَ جُنُودُهُ وَ کُلُّ مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً وَ مَحَضَ الْکُفْرَ مَحْضاً حَتَّي ىُؤْخَذَ بِالْقِصَاصِ وَ الْأَوْثَارِ ﴿الْأَوْتَارِ وَ التُّرَاث ﴿وَ لَا يظْلِمُ رَبُّك أَحَداً وَ نَحْنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيةِ﴿وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِي فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يحْذَرُون. [7] 

«3» كيف يكون انتظاري نافعا ومفيدا؟

- مناجاة الشيخ زاده آملي: قلت: يا صاحب الزمان تعال قال لي: أنت تنتظرني؟! قلت: نعم يا مولاي مُنتظر

قال: أي انتظار هذا ليس فيه تعب أو مشقة! فقط تقول تعال! قلت: أليس جيدٌ الانتظار يا مولاي قال لي: وكذلك قالوا لجدي الحسين تعال، لكن حينما أتي قتلوه قلت: إذا ماذا نفعل يا مولاي قال: اعرفوني قلت: ألم نعرفك؟! قال: لو عرفتموني لما أذنبتم هذه الذنوب قلت: مولاي.. أنت تصفح عنا قال: أنا يوميَّا إلي الصباح أبكي لكم قلت: مولاي.. ماذا نفعل حتي نصل إليك؟ قال: ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات هذا يكفي!

مناجاة العلّامة الشيخ حسن زاده آملي للإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه.

2 - يجب أن نحذر من سوء المنقلب ونستعيذ بالله منه فقد وردت رواية عن الصقر بن دلف عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا يقول: إن الإمام بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن فبكي بكاء شديدا ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر فقلت له: يا ابن رسول الله ولم سمي القائم قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سمي المنتظر قال: لأن له غيبة تكثر أيامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكثر فيها الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون.

 


[1]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 14 - الصفحة 33

[2]  الغيبة - الشيخ الطوسي - ج 1 - الصفحة 204

[3]  كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق - ج 1 - الصفحة 698

[4]  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 11 - الصفحة 149

[5]  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 12 - الصفحة 175

[6]  تفسير الفرات: 116 فيح: [في المعني] والآيات في سورة القصاص: 1-5

[7]  تفسير اهل بيت ج۱۱، ص۱4۰

[8]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 51 ص