آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

رأي حول حرية التعبير

علي العبد العال *

في تصوري يتسم مجتمعنا بالمجتمع المتحفظ تجاه التوجهات التي تحمل فكرًا مغايرًا، وتحمل تساؤلات حول الأفكار المطروحة في الفضاء العام وتنقدها نقدًا واضحًا بِلا تردد. لعل البعض يحسب بأن التساؤلات التي تُطرح في الفضاء العام أو النقد للأفكار السائدة ما هو إلا محاولة غرضها بث الشبهات وزعزعة إيمان الأفراد. ليست القضية هي ردة الفعل والتصورات الذي يحملها المجتمع تجاه هذا النقد والتساؤلات في الفضاء العام، وغيرها من الأفكار التي تتسم بطابع مختلف عما اعتاده المجتمع، أو لا يميل له ويتبناه. لنترك هذا الجدال وما يحمل، ولنتساءل حول شرعية هذا الجدال.

أصل الفكرة هي حرية التعبير، وكما نعلم أن يوجد بعض الأفراد يتخذون من حرية التعبير وسيلة لرمي الآخرين والهجوم عليهم. بعيدًا عن هذا، أميل بأن حرية التعبير ضرورة وحق كل فرد، وبأن من حق أي فرد أن يعبر عن رأيه في الموضوع الذي يتداوله، أو يطرحه الآخرون في الفضاء العام، وإن كان رأيه لا يعجب ويوافق الآخرين. أعلم أن البعض لا يميل لحرية التعبير ويراها بابًا للغوغاء وإشغال الأفراد بقضايا لا تستحق الانشغال، لكن لنسألهم هل يرضون أن يتم تكميم أفواههم ويكونوا مهمشين في الوسط الاجتماعي، لا شك سيرفضون بشكل مؤكد، بل لن يرضى أي فرد أن يكون مهمشاً وليست له قيمة أو معنى. ولنسألهم سؤالًا آخر، هل الإرهاب الفكري هو الطريقة الصحية؟

الخشية من حرية التعبير محقة في جانب، لكنها ليست مبررًا لتكميم أفواه الناس ومحاولة كتم آرائهم. نعم نحتاج إلى ضوابط في التعامل مع حرية التعبير وكلنا ضد الإساءة للآخر في شخصه أو دينه، لكن من حقنا كأشخاص أن نعبر عن آرائنا وإن كانت لا تعجب البعض، إذ ليس من المعقول أن يتم مهاجمة شخص ما، لأنه عبر عن رأيه أو كان نقده لا يوافق الأغلب. من الحالة الصحية أن تكون حرية التعبير متاحة في الفضاء العام، أفضل من أن يكون الفرد مهمشًا ويخشى التعبير عن رأيه في وسطه الاجتماعي، خشية من ردة الفعل وأن يتم نبذه من خلال بعض الأفراد المنغلقين.

آمل بأن تكون حرية التعبير مقبولة وأن لا يتم رفضها أو التعامل معها كمسببة لإثارة الجدل والشكوك، وينبغي إتاحة الفرصة للآخرين لكي يعبروا عن آرائهم، وإن كان الأغلب لا يوافقون. اعتراض الأغلبية على رأي الفرد افتراضًا منهم بأن رأيه بعيد عن الصواب ليس بالضرورة صحيح، بمعنى أن حكم الأغلبية أو رأيهم حول موضوع ما يحتمل الخطأ والصواب، ربما رأي الفرد في الواقع هو الذي يكون صحيحاً وليس افتراضهم حول رأيه.

وجود مفاسد حول أمر ما لا يعني محاربته أو إلغاءه، بل السعي وراء إصلاحه، لو تأملنا وقائع الحياة لرأينا كثيراً من الأمور تُسبب مفاسد، لكنها في الحقيقة حاجة وضرورة للبشرية، كقيادة السيارة، هل يمكننا إلغاء قيادة السيارة لمجرد وجود حوادث؟

حرية التعبير كذلك، ربما تُتيح للفوضويين والغوغائيين مجال الحديث، لكنها حاجة وضرورة لأي فرد بدلًا من تكميم أفواههم.