آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

تكامل المعرفة

محمد أحمد التاروتي *

التجارب الحياتية تثري المعرفة لدى الإنسان، باعتبارها الميدان الحقيقي للتعرف على الكثير من الأمور، على الصعيد الشخصي والاجتماعي في الوقت نفسه، ”في التجارب عمل مستحدث“، فالحياة قادرة على رفد الإنسان بالكثير من المعارف، نتيجة الاحتكاك المباشر مع مختلف الشرائح الاجتماعية، فضلا عن الامتحانات الكثيرة التي تزيد من الخبرة الحياتية، خصوصا وان التجارب الحياتية قادرة على صقل الإنسان بطريقة مباشرة، جراء التجارب الناجحة والتحديات الفاشلة.

تختلف الإمكانيات الذاتية لدى الأفراد في عملية توظيف التجارب الحياتية، فهناك فئات قادرة على اقتناص الامتحانات الحياتية بطريقة احترافية، من أجل زيادة المعرفة الشخصية، واكتساب الخبرة اللازمة لممارسة دورها، على الإطار الاجتماعي بطريقة ناجحة، الأمر الذي يتمثل في تسجيل الكثير من النجاحات خلال فترة قياسية، نظرا لوجود الإمكانيات الذاتية الاستثنائية لتطويع التجربة الحياتية، بما يصب في المصلحة الشخصية، فيما توجد فئات غير قادرة على مراوحة المكان، بحيث تواصل سلسلة الإخفاقات على الصعيد الشخصي أولا، والاجتماعي ثانيا، جراء الافتقار للأدوات اللازمة لتوظيف التجارب الحياتية، مما يجعلها في الصفوف الخلفية على الدوام، لا سيما وان التجارب الحياتية مدرسة قادرة على صياغة التفكير لدى البشر، مما يفرض التحرك وفق تلك القناعات الحياتية، بحيث تتجلى في اتخاذ مختلف المواقف، تجاه كافة القضايا الاجتماعية.

القدرة على صياغة المواقف تجاه الأزمات الاجتماعية، تارة تنبع من طريقة التفكير تجاه المعالجات اللازمة لتلك الأزمات، وتارة أخرى مرتبطة بالتجارب الحياتية التي تسهم في وضع تلك الحلول، بمعنى آخر، فإن المواقف المتبعة تجاه الأزمات الاجتماعية، تختلف باختلاف طبيعة التوجه، وطريقة التفكير لدى الأفراد، حيث تنطلق كل شريحة من المخزون المعرفي الذي تمتلكه، بحيث تبرز على أشكال متعددة، فبعضها يستند إلى الجانب العلمي في وضع المعالجات للتعاطي مع الأزمات الاجتماعية، خصوصا وان المنظور العلمي يمثل مدخلا أساسيا في تناول الأزمات الاجتماعية، مما يساعد تحريكها في الاتجاهات المناسبة، بينما ينطلق البعض من الخبرة الحياتية في تناول الأزمات الاجتماعية، فالجانب العلمي يشكل ركنا أساسيا في الأزمات الاجتماعية، بيد أنه ليس قادرا في كثير من الأحيان على وضع المقاربات الحقيقية، لاسيما وان الجانب العلمي ينطلق من الطبيعة النظرية، بخلاف التجارب الحياتية التي تأخذ في الاعتبار الرصيد العملي، والتراكمات الكثيرة من الخبرة، مما يجعل المعالجات أقرب إلى الواقع، في القدرة على تهيئة الظروف المناسبة لخلق الحلول الواقعية.

تغليب المعرفة الحياتية على المعارف العلمية، ينطلق أحيانا من النجاحات التي تحققها في القدرة، على إحداث اختراقات حقيقية على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان المعارف العلمية تتغافل في بعض الأحيان الحقائق على أرض الواقع، مما يدفعها لمحاولة رسم حلول غير قادرة على ملامسة المشكلة، والوصول إلى جذورها بشكل مباشر، الأمر الذي يدفع البعض لمحاولة التركيز على الجوانب الحياتية، في وضع السيناريوهات المطلوبة لمعالجة الأزمات الاجتماعية، خصوصا وان المعرفة الحياتية تضع في الاعتبار الظروف القائمة، وكذلك الخبرات المتراكمة، الأمر الذي يساعد في وضع بعض الحلول المناسبة، بما يحقق المصلحة المشتركة.

ترجيح المعرفة الحياتية ليس خيارا مطلوبا على الدوام، خصوصا وان استبعاد الجانب المعرفي يتسبب في معضلة كبرى، مما يستدعي إيجاد تناغم دائم سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، بهدف إحداث حالة من التكامل المعرفي، والقدرة على رؤية الأمور بطريقة شاملة، لاسيما وان تزاوج الخبرات الحياتية والتجارب المعرفة، يساعد في وضع الأمور في المسارات السلبية، فالحالة الإقصائية ومحاولة تحريك الأمور باتجاه واحد، لا يخدم في وضع الحلول المناسبة، بقدر ما يسهم في تعقيد الموقف، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

كاتب صحفي