آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:09 م

العالم العربي مُتّهم

ليلى الزاهر *

لعلنا لانستطيع أن نتصور عالمنا بدون حبّ ومودة، وإذا أمعنا النظر في التاريخ العربي نرى الكثير من شعراء العرب تغنوا بهذه العاطفة السامية بل أفردوا لها بابًا ضخما أبدعوا في نظمه وهو باب الغزل، وقلّما خلت قصيدة عربية من الوقوف على الأطلال وذكر الأحبّة تصريحا أو تلميحا،

يقول بشار بن برد:

ياقومُ أُذني لبعض الحيّ عاشقة ٌ

والأذن تعشق قبل العين أحيانًا

وبرع عنترة بن شدّاد في تصوير جمرات الحبّ التي اكتوى بها قلبه إذ يقول:

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسّم.

وجاء الإسلام ووضع الملامح الصحيحة لأسمى علاقة جمعت بين الرجل والمرأة فأشار القرآن الكريم إلى تلك الشّراكة بوصفها آية مقدّسة من آيات الله، يقول الله تعالى:

﴿وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

«سورة الروم: 21»

إنّ العلاقة الزوجية الناجحة تمرّ على أصحابها مثل يوم مُشمس نقيّ يتنفس جميع أطرافها جماله، ويلاحظون إشراقته، والزوج المتصالح مع نفسه يرفض فكرة إيذاء زوجه بقول أو فعل فقد جمع بينهما الحبّ والاحترام المتبادل «فدوام الحبّ في مراعاة الأدب» كما أشار إلى ذلك فيكتور هيجو

غير أن التقليد السلبي الذي يتوارثه الناس قد انعكس سلبًا على التّفكير فبدأت العلاقة الزوجية تأخذ مسارًا خاطئًا بعيدًا عن مبدأ

﴿جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً إلى مسار ﴿لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ

فغدا البعض يتخبّط في شروط اختيار الزوجة وأصبح لقبول الزوج معايير مادية سرعان ماتنهار على أساسها الشراكة الزوجية

لقد أصبحت المظاهر جزءا هاما في حياتنا

ففي عالمنا العربي، عندما تكون الفتاة جميلة تعتقد أنها تستحق رجل غني!

وفي عالمنا العربي لايمكن أن نتحدث عن صدق المشاعر لأنها ارتبطت بالمادة.

كما أن تشويه العواطف عوضًا عن إخراجها صادقة هو ديدن البعض.

وأكثر ما يؤلم هو أنّ الدخول للمحاكم لفض عقود النكاح أصبح أمرا اعتياديا.

لقد ضرب الجميع بالآداب الإسلامية عرض الحائط في هذه العلاقة المُقدّسة فسرعان ماتندفع المرأة لطلب الطلاق، وسرعان ما يتحول الواقع الافتراضي الذي خططت له إلى لحظة انتصار عندما تصلها رسالة عبر هاتفها «لقد فُكّ عقد النكاح».

يقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وآله وسلَّم: ”أيُّما امرأةٍ سأَلَت زوجَها طَلاقًا في غيرِ ما بأسٍ فحَرامٌ عليها رائحةُ الجنَّةِ“،

هل تغيّر عالمنا الجميل؟ هل أصبح عالما هامشيّا؟

يقول الكاتب السوري أدونيس ناقدًا المجتمعات العربية:

«أنا أشكُّ في أنّ هناك حبّ في العالم العربي، هناك فقط غرائز وحب تملك وإنجاب، العالم العربي بعيد عن كل ما يمتّ بصلةٍ إلى الحبّ»

فهل غدونا نرزح تحت طائل المادية حقّا؟

هل يُبنى اختيار الزوجة على وظيفتها المرموقة ورصيدها المصرفي؟

بهذه المقاييس الخاطئة نُزع رداء المودة والمحبة من العلاقة الزوجيّة وحلّت مقاييس أخرى عوضًا عنها مما دعاني للقول:

فلا ‏قيسًا ولا ليلاه قد خلقا

‏ ولم يكن هدير حبهما قد سُمعا

من جانب آخر لن يفوتني التّنويه بماجاء به الكاتب مصطفى محمود - رحمه الله - في كتابه «في الحبّ والحياة»:

«‏أصبح الرجل يتردد في الزواج

‏أصبح يرى الزواج مجازفة تقتضي منه كل شجاعته»

وفي نظر الكاتب وأنا مؤيدة له:

أن تكون للمرأة ذات قيمة في ذاتها، عليها أن ترفع من شأن نفسها بعلمها فتكون على قدر من التعليم، ومنه تستمدّ قوتها.

جميل من المرأة أن تزهد في عالم التجميل المزيف وترتبط بطرق المعرفة والعلم وأن تطمح بالتمسك بأدوات التعب والجهد العلمي كسلاح تواجه به متطلبات الحياة.

والحقيقة التي لانستطيع تجاهلها أن المرأة مهما امتلكت من جاه ومال وسلطة هي بحاجة لرجل يسندها، يبادلها الحب، ويضع فوق رأسها تاج الاحترام والتّقدير، وأنّى لها ذلك إذا كانت غارقة في عنفوان ملذات الذات وتفاهة المواقف التي تُقيّد حريّة عقلها.