آخر تحديث: 27 / 12 / 2024م - 8:30 م

الإنسان والتغيرات

علي العبد العال *

في كل مرحلة من عمر الإنسان يتغير نمط تفكيره، ويعيد صياغته بشكل اخر عما كان يألفه في بداية مراهقته أو منتصف شبابه. التغيرات الفكرية التي تعطي صورة عن الفرد في مرحلة حياته هي أشبه بالمتغيرة أو بالمتجددة، كل مرحلة لها صورتها وشكلها المختلف عن المرحلة الأخرى. لعل البعض لايحبذ هذه الصورة التي تطرأ على الإنسان في مسيرته الحياتية، إلا أنَّ هذا الشكل من التغيرات التي تطرأ على الفرد هو المعيار والمعنى للتأقلم والاستقرار مع طبيعة وتغيرات الحياة. في نظري كل إنسان لايساير الزمن في تغيراته وتطوراته سيشعر ربما بالغربة.

ربما يشعر الإنسان بالقلق من التغيرات التي تطرأ عليه لوهلة في أحد مراحل حياته، إذ يشعر وكأنه انقلب على قناعاته عندما تقدم بالعمر وتغيرت مبادئه وقيمه وما إلى ذلك. مشاعر الإنسان تجاه التغيرات التي يعايشها محقة وطبيعية، لكنها إذا أخذت منحى أبعد من ذلك تكون بعيدة عن الواقعية، لأن من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق تجاه التغيرات في مراحل حياته، لكن لكل مرحلة شكلها ومعناها، لذلك التأقلم والقبول بأن التغيرات حقيقة وضرورة يعطينا أريحية.

علينا أن نتقبل بأن كل مرحلة تأخذ الصورة المناسبة لها، وأن نتعايش مع كل مرحلة على أنها تحدي جديد، وليس مرحلة للجمود والانعزال. وينبغي أن نعيد تصورنا لمفهوم الحياة والتكيف معها، لكي نتواءم مع ظروف ومحطات الحياة. نحن بشر نحتاج أن نراجع ذواتنا وننظر من زاوية بعيدة ونرى من خلالها أنَّ العالم أوسع مما نتصوره. كل مرحلة تعبر في حياة الإنسان تفرض نفسها بشكل مختلف عن المرحلة التي تسبقها، وفي كل مرحلة تأخذ إطاراً مختلفاً بالتحديات والتجارب. تقبلوا بأن التغير ضرورة، والحاجة للتغير تفرض نفسها، وأن الإنسان في كل مرحلة من مراحل حياته عليه أن ينقذ ذاته ويراجع أفكاره وقناعاته وطريقة التعاطي مع الحياة، وليس من المخجل أن يتغير الإنسان فكراً وأسلوباً.

في الواقع لسنا بحاجة أن نكون مثاليين، نحن بحاجة أن نقبل بأن التغيرات أمر طارئ في حياتنا وعلينا التكيف والسعي نحو التغيير والتعلم والاستفادة من التجارب والأخطاء، بطبيعتنا ناقصين وليس كل ما نتمنى نحصل عليه، كما يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي: مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ.