آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

مفاهيم حذرة

محمد أحمد التاروتي *

اقتحام عالم المصطلحات، والتعرف على منظومة المفاهيم ليس صعبا على الإطلاق، فالعملية مرتبطة بالقدرة على اكتساب تلك المفردات، والعمل على تجسيدها في الواقع الخارجي، خصوصا وان المصطلحات تمثل عصارة التجارب الإنسانية، بالإضافة إلى كونها نتاجا ثقافيا متراكما في البيئة الاجتماعية، مما يسهم في تكريسها في العقل الجمعي، أو لدى بعض الفئات الاجتماعية، نظرا لتباين تلك المفاهيم بين بيئة اجتماعية وأخرى، وبالتالي فإن محاولة كسر الطوق المفروض على تلك المصطلحات يتطلب الرغبة الجامحة في اكتسابها أولا، والقدرة على توظيف تلك المفاهيم على الممارسات الحياتية ثانيا.

الأدوار التي تؤديها منظومة المفاهيم على الإطار الفردي ليست خافية، باعتبارها جسرا في الربط بين الفرد والبيئة الاجتماعية، لا سيما وان المفاهيم تتشكل بواسطة الممارسات المختلفة، مما يجعلها جزءا من المنظومة الثقافية السائدة، وبالتالي قدرتها على أحداث تحولات في التفكير الاجتماعي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحيث تقود إلى قناعات بعضها ذات أثر عميق، في عملية التطور الثقافي على الصعيد الكلي، والبعض الآخر ذات طبيعة سلبية على الإطار الفكري، جراء وجود اختلافات كبرى في القدرة على توظيف تلك المفاهيم، في دعم المسيرة الاجتماعية في مختلف الاتجاهات الحياتية.

التعرف على المصطلحات والقدرة على اكتساب المفاهيم، لا يشكل تحولا حقيقيا في الممارسات الحياتية، فهذه المفاهيم تبقى غير قادرة على تحريك الأمور لدى المرء، باعتبارها مفردات جامدة وغير قادرة على تفجير الطاقات بصورة مباشرة، بيد أن المفاهيم تمثل منطلقا نحو التطور الثقافي في حال استخدامها بالأسلوب المناسب، لا سيما وان المفاهيم ليست على قدم المساواة في النظرة إلى الحياة الاجتماعية، فهناك مصطلحات تقود إلى الضياع جراء انتهاجها الوسائل الخاطئة، أو توظيفها بطريقة سلبية، بينما توجد بعض المصطلحات قادرة على استنهاض الهمم، والدفع بالاتجاه السليم، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على المسيرة الاجتماعية في نهاية المطاف.

الحذر في التعاطي مع المفاهيم ”السلبية“ عملية أساسية، من أجل السير في الطريق السليم، وتفادي السقوط في ”الغرور“ الذاتي، خصوصا وان اكتساب المفاهيم ليس كافيا للتعرف على حقيقتها في بداية الأمر، مما يشكل خطورة على المسيرة الفردية على الإطار الاجتماعي، جراء الافتقار للقدرة على التفريق بين ”الصائب“ و”الخاطئ“، بمعنى آخر، فإن اتخاذ الوسائل الاحتياطية عملية ضرورية للحصول على النتائج الإيجابية، لاسيما وان انعدام الرؤية وحالة الغرور الذاتي، يوفر المناخ المناسب لوقوع البعض في منتصف الطريق، بحيث يتجلى في مناصبة العداء للبيئة الاجتماعية، نتيجة انتهاج وسائل خاطئة في التعاطي مع المفاهيم الاجتماعية، مما ينعكس على العلاقات الخارجية بشكل واضح.

الرؤية الواضحة للاختيار السليم تمثل البوصلة الحقيقية، في اجتياز كافة الامتحانات الحياتية، لاسيما وان التجارب الحياتية تشكل إحدى الوسائل الأساسية، في الاختيار السليم لطريقة التعاطي مع منظومة المفاهيم الاجتماعية، فهناك مفاهيم ليست قادرة على الحياة، جراء بروزها بطريقة مفاجئة وغير سليمة، مما يجعلها معرضة للاندثار سريعا، الأمر الذي يستدعي انتهاج الحذر وعدم التعاطي معها، نتيجة الانعكاسات المترتبة على تكريسها في الواقع الاجتماعي، بينما توجد مفاهيم ذات طابع أخلاقي تمتلك القدرة على الصمود، والاستمرار في البيئة الاجتماعية، نظرا لامتلاكها جميع المقومات الأساسية للتفاعل مع مختلف الشرائح الاجتماعية، الأمر الذي يدفع باتجاه اتخاذها طريقا في الحياة، باعتبارها جزء من المنظومة الأخلاقية التي تضيء سبيل المجتمع.

الدعوة إلى الحذر من بعض المفاهيم الخاطئة، لا تعني الانكفاء على الذات والابتعاد عن التفاعلات الاجتماعية، بقدر ما يمثل وسيلة لاتخاذ الوسائل الكفيلة، للاستمرار على الطريق السليم، خصوصا وان المفاهيم الاجتماعية انعكاس مباشر لطبيعة التفكير السائد، الأمر الذي يساهم في تكريس بعض المفاهيم على الإطار الاجتماعي، بحيث تشكل ظاهرة ملموسة في الواقع المعاش.

كاتب صحفي