آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 8:10 ص

التضميد

محمد أحمد التاروتي *

تكمن أهمية المبادرات ”الإنقاذية“، فيما تحمله من أبعاد أخلاقية وإنسانية في ذات الوقت، مما يجعلها موضع الاهتمام الاجتماعي، باعتبارها عنصرا مساعدا في التخفيف من الآثار الكارثية، سواء على الإطار الفردي أو الاجتماعي، خصوصا وان الأزمات الصغرى والكبرى تترك تداعيات على الصعيد الاجتماعي، فتارة تكون الانعكاسات محدودة وذات أثر على الإطار الفردي، وتارة تشمل تداعياتها العديد الفئات الاجتماعية، مما يحفز على إطلاق العديد من المبادرات، من ا جل امتصاص جزء يسير من الآثار التدميرية بشكل عام.

تبرز قيمة المرء في الأوقات الصعبة، حيث تظهر المعادن الثمينة على حقيقتها، من خلال وضع العديد من مبادرات ”التضميد“ في متناول الوسط الاجتماعي، بهدف إحداث الأثر الكبير في النفوس المكسورة من جانب، والعمل على انتشال العديد من الشرائح الاجتماعية من حالة الضياع النفسي والفقر المادي من جانب آخر، وبالتالي فإن ”التضميد“ ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما يهدف إلى إرساء قواعد أخلاقية مستندة على المبادئ الفاضلة، الأمر الذي يكرس ثقافة التضميد في النفوس، ويهيئ المناخ المناسب لإطلاق العديد من المبادرات الهادفة، إلى تحريك الجانب الإيجابي في النفوس، بحيث تعزز المبادئ الإنسانية في الممارسات الحياتية، على الصعيد الفردي أولا، والجانب الاجتماعي ثانيا.

التحركات الجادة لانتشال البيئة الاجتماعية من المأزق النفسي، والعمل على تضميد الجروح المعنوية، عناصر أساسية في إرساء العديد من المعاني الفاضلة في الثقافة الاجتماعية، خصوصا وان الأهواء الشيطانية تدفع باتجاه تكريس الأنانية، ورفض مختلف أشكال التعاون مع المحيط الاجتماعي، وبالتالي فإن الانتصار على الذات يساعد في وضع المبادرات ”الإنقاذية“ في المسار السليم، سواء على الإطار الضيق أو الجانب الواسع.

المنظومة الأخلاقية والقيم الإنسانية، تمثل أحد المحركات الأساسية في إطلاق المبادرات ”الإنقاذية“، لا سيما وان المبادئ الأخلاقية ترفض الانفصام الكامل مع البيئة الاجتماعية، انطلاقا من المصير المشترك لمختلف الشرائح الاجتماعية، مما يفرض التحرك الصادق لإيجاد الحلول المناسبة، والوسائل المناسبة لتجاوز مختلف الأزمات، خصوصا وان الأزمات الكبرى تعرقل المسيرة التنموية، وتعطل الطاقات البشرية، مما يقضي على استمرارية الحيوية الاجتماعية، جراء الانشغال الدائم بالأزمات على اختلافها، وبالتالي فإن المنظومة الأخلاقية بمثابة العصا السحرية، لإدخال البيئة الاجتماعية في مسارات إنقاذية، عوضا من الانحدار والسقوط في وحل الأزمات الشديدة.

عمليات ”التضميد“ المعنوية والمادية للبيئة الاجتماعية، تختلف باختلاف الآليات المتخذة، وكذلك تبعا للظروف السائدة، فضلا عن قدرة الوسط الاجتماعي على احتضان تلك العمليات، خصوصا وان التفاعل المتبادل بين أصحاب المبادرات ”الإنقاذية“ والبيئة الاجتماعية، أحد الممكنات الأساسية في الحصول على النتائج المرجوة، فالريبة والحذر وانعدام الثقة بين الأطراف، يخلق العديد من المشاكل، ويحول دون تحقيق الأهداف المرسومة، وبالتالي فإن المبادرات ”الإنقاذية“ ليست قادرة على إحداث اختراقات حقيقية في المجتمع، دون الحصول على الضوء الأخضر، والاقتناع التام بقدرتها ”المبادرات“، على انتشال البيئة الاجتماعية من الوضع الصعب إلى الفضاء الرحب.

المسؤولية الاجتماعية تشكل دافعا فاعلا، في إطلاق المبادرات ”الإنقاذية“، فهذه المسؤولية تضع في الاعتبار المصالح الجمعية على الغايات الفردية، مما ينعكس بصورة مباشرة على طريقة التعاطي مع الأزمات الاجتماعية، لا سيما وان المصائب على اختلافها توحد الأهداف في سبيل إنقاذ مختلف الشرائح الاجتماعية تارة، وتدفع نحو الانفصال عن الجماعة والتركيز على المصالح الشخصية تارة أخرى، انطلاقا من المبادئ الأخلاقية التي يحملها الفرد، وطريقة النظر تجاه البيئة الاجتماعية، فإذا كانت دوافع ”أنانية“ فإن الأغراض الخاصة تكون الطاغية على آليات التفكير، بينما الدوافع الجمعية تولد الإحساس القوي تجاه البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يترجم على أشكال متعددة، بهدف إحداث تحولات ملموسة على الإطار المعنوي في الوسط الاجتماعي، بحيث تظهر على أنماط عديدة، ولكنها تسير نحو هدف واحد، والمتمثل في المبادرات ”الإنقاذية“.

كاتب صحفي