آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

تحمل المسئولية ومواجهة التحديات نهج حسيني

التعامل مع الصعوبات والعراقيل التي تواجهنا بطريقة صحيحة يحتاج إلى زاد من الحكمة والصبر والتحلي بالنفس الطويل، إذ لم تفرش طرق وميادين الحياة بالورود والرياحين والطمأنينة في كل مراحلها ومنعطفاتها بل الأمر على العكس تماما، إذ السنة الإلهية في العباد - بلا استثناء - هي الابتلاء والاختبار في كل خطاهم وأنفاسهم ومسيرهم، وهو ما يستدعي التفكير مليا بكيفية مواجهتها بطريقة سليمة حتى يتجاوزها ويكمل مسيرته، فهناك من تجده قد أسقطته أرضا بلا حراك المشاكل التي يواجهها فحيرته ولا يعرف طريقة التعامل معها، وبالطبع لا يوجد فينا من يرغب في الوصول إلى بوابة اليأس، فلا أحد له رغبة في رؤية نفسه مكتف اليدين ومكبل بسلاسل القنوط وفقدان الأمل من حياة سعيدة، فهل يمكن للواحد منا أن يتحرك وينطلق في خطاه وهو متيقن تماما من تخلل مسيرته بالعقبات والمصاعب؟

القرآن الكريم يحدثنا في كثير من آياته الكريمة عن حركة الأنبياء والمصلحين وما واجهوه من عناد وعداء كبير، ومع قوة تلك الضغوط والقوى المعادية نجد في سيرتهم الهمة العالية التي لا تستكين وتعمل جاهدة في الوصول إلى أهدافها المتوخاة بلا ملل ولا كلل، وكذا نجد ذلك الثبات والقوة الإيمانية في سيرة الأئمة من دون الالتفات لقوة القوة المواجهة لهم، بل سلكوا طريق الثبات والتبليغ والتكيف مع تلك الظروف وتحمل المتاعب، وذلك ينبيء عن نوعية من الشخصيات التي تحلت بالقوة الروحية في مواجهة الأزمات، وتستحق أن تكون موضع الاقتداء والتأسي بسيرتهم واستلهام الدروس من كيفية مواصلة عملهم رغم وجود العراقيل والصعاب التي تواجههم، فلم يقنطوا أو ينثنوا عن إكمال مسيرهم بل خاضوا تلك التحديات قولا بالحكمة وتقديم البراهين وسلوكا بتحمل المشاق والآلام؛ ليقدموا صورة جميلة للإنسان المثابر الذي ما هدته الأزمات ولا تراخت مجهوداته بسبب الظروف القاسية، وهكذا نجد أنفسنا أمام مدرسة ومسيرة تعلمنا كيفية مواجهة المشاكل والعراقيل التي تصادفك أثناء سعيك الحثيث وتنفيذ خطتك المرسومة وفق الوعي والرشد، فالإصرار يعني توظيف قدراتك ومهاراتك ومعارفك في سبيل فك شفرات المشاكل ومواجهتها بإرادة قوية، وهذا لا يعني تساوي الإصرار مع الإقدام بنحو مستمر حتى وإن أدى إلى الإيغال في شبكة المصاعب، بل هناك مرونة في التعامل مع الظروف وتكيف مع المتاعب وعمل ممزوج بالآلام.

وعندما نصل إلى مفهوم مهم وهو صقل الشخصية وتحنيكها بالحكمة والصبر، فذلك لا يأتي دفعة واحدة بل هو وليد مواقف عديدة تثمر له خبرات وتجارب، حتى يكتسي بروح المهارة والاقتدار في مواجهة التحديات.

والإمام الحسين قدم لنا النموذج الأمثل في مواجهة المصاعب واقتحام العقبات والمضي في تحقيق الأهداف دون التفكير مطلقا بالتراجع أو اليأس، ففي حين أن الكثير قد خارت قواهم ونخرت الوساوس إرادتهم، فنتج عن ذلك بروز روح التخاذل والانزواء واللا مبالاة كان للإمام وأصحابه كلمة أخرى تمثل موقفا قويا، كما أن العوامل المتعددة وقفت بقوة أمام نهجه الإصلاحي في أمة جده المصطفى ﷺ، فعمل على الدعوة إلى المبدأ القرآني وهو الكرامة والعزة للإنسان وتجنب كل ما يذله من شهوات وأهواء، فنبه إلى أن العبودية للمال - ولو بطلبه من الحرام - وطلب الجاه الدنيوي يبعد المرء عن العبودية الحقة لله عز وجل، فتكوين المناعة والصلابة في شخصية الإنسان يعني وعيا بالآفات الأخلاقية والسلوكية وقدرة على ضبط النفس أمام التزيين الشيطاني لملذات الدنيا الزائلة، كما أن تحمل المسئولية والاستعداد لمواجهة المصاعب هو من سمات الشخصية القوية المتمسكة بمبادئها وقيمها ولا تقدم تنازلات على حساب بيع ضميرها في مزاد النخاسين.

الإمام الحسين نهج قويم في فهم واقع الحياة والتحديات التي تواجه الإنسان وكيفية التعامل معها، هكذا نضيء عقولنا وأنفسنا بفكر وأهداف الإمام الحسين التي أضاءت الطريق للمؤمنين، فلا يمكننا أن نحيا بطمأنينة وراحة بال ما لم نتحمل المسئولية والأعباء حتى نحقق آمالنا وطموحاتنا دون أن نخسر أنفسنا.

?