آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:54 ص

المتاهة تلتهم الأغراب

عبد الباري الدخيل *

خرج من بيته يمشي عكس الاتجاه المعتاد، نزل من تلة الديرة متجهًا للجنوب، بدأ من الحوامي ثم قطع الصدري والفسيل حتى وصل إلى عين أم عريش، ثم لم يره أحد.

مضى على غيابه ثلاث سنوات، ويقال أكثر، وحتى عندما بلغ عمر ولده خمس سنوات وقد ولد بعد غيابه بشهرين اختلف الآباء في عدد سنوات الغياب.

اعتاد أن يخرج كل صباح متجهًا للسوق مارًا بوسط الديرة، يمر على دكان ابن دعبل ولا يقف فقط يسلم، ثم ينعطف بعد مسجد الشيخ علي عبر الساباط غربًا، لا يسلم على ابي عبدالمحسن لألا يشغله عن قراءة القرآن.

وعند المنحدر الشمالي يقف قليلًا عند باب دكان العماني يشتري علكًا ويغادر.

ويتجه مستقيمًا نحو «حمام تاروت» ليجلس مع أخيه أمام العربة التي يبيع فيها منتجات «النخل/ المزرعة».

في اليوم الذي غادر ولم يعد، لا أحد يعلم لماذا غيّر طريقه.

الطريق موحش في هذا الوقت إلا من بعض العمّال يصلحون شأن النخيل.

قيل أنه ذهب للبحر ومن فرضة دارين سافر إلى الهند، وقيل أن ساحرة تختبئ في البيت المهجور اختطفته.

لم يعد أحد يعلم لماذا اختار طريقًا آخر، ولماذا ترك غترته وحذاءه عند العين تحت العريش؟!

قال حجي حسن الأقرع أنه سمع جنيتين تغتسلان في العين، قالت إحداهما للأخرى: لقد نجى «التاروتي» عندما قبل بالزواج من سيدتك.

أجابتها: بل لقد فاز.

لكنّ أحدًا لم يصدقه، واتهموه بأن «النارجيلة» لعبت برأسه.

ادعت «أم علوي الملاية» أنها رأته في «سبيتار» الأمريكاني في البحرين، كانت تعاني من ألم في عينها، وقد أخذها زوجها للعلاج هناك، فرأته «يرطن» مع «الشّقْر» بلغة لا تفهمها، وحينما نادت عليه باسمه، نظر لها وابتعد.

بعد وفاة أبيه قالت أمه: ”الله يرحمه لو بس صبر عليه وما طرده كان الحين ساترني“.

تبين سبب الغياب، لكن أين ولماذا؟ مازال هناك متسع للرواية.

في عين «العودة» اقتربت سيدة من زوجته وسألتها: ”صحيح اللي سمعناه؟ عمّش تهاوش ويا رجلش قبل لا يختفي؟“

لاذت «رباب» بالصمت وجمعت الثياب في الطشت وغادرت العين، والمشهد في عينهيا كأنه قبل قليل، كان الوالد قد رفض أن يعمل ولده في الشركة، عند الأمريكان:

- ”يا ولدي ويش لك بالبحر واهواله ورزق الله على السيف!“

- ”الناس كلها راحت الشركة.. والنخل ما يجيب شي“.

- ”قلت لك ما تروح يعني ما تروح“.

- ”شغلتهم فيها فلوس“.

- ”بلح صافية وتمرة أحسن من ريالاتهم“.

واستمر الحوار حتى ارتفع صوت الأب فخرج الولد غاضبًا، ولحقه الأب بكلمة تأسف عليها وبكى ندمًا: ”روح عساك ما ترجع“.