الكذب الممتع
ما أقل أن ترىٰ من يرضىٰ أو يسكت ولا يجد في نفسه، إذا اتهم سلفه بالكذب أو التدليس؛ فإن كثيرًا من الناس يقدسون سلفهم، ولا يذكرونهم إلا بخير، وتكاد تفهم أنهم معصومون من الكذب، ومن كل عيب وشين، والطعن في السلف طعن في الخلف... وهٰذا ما لا تقوم له السماوات والأرض.
ماذا لو حدثت أبنائي وبناتي أن كان لي مع الجن أربعة مواقف؟ أكانوا مصدقي؟ وما عساهم يقولون عني حيًّا وبعد مماتي؟ وبم يصفونني؟ وإلام ينسبونني؟
قد يصفني ناس بالكذب أو الخرف؛ ولٰكن النيل مني لا يرضي ولدي؛ فإن ذمي وعيبي ذم لهم وعيب في نظرهم، وإن كانت عقولهم كبيرة، أو كانوا من أهل السماحة، وهٰذا ما طبع أكثر الناس عليه.
وقد يجري الكذب علىٰ ألسنة بعض الناس دون تعمد، وقد يتعمده بعض؛ لدواعٍ منها أن شخصياتهم وعبقرياتهم لا تظهر ولا تقوىٰ إلا به، وكأن الكاذب كاتب سيناريو يقنعك بأحداث المسلسل أو الفلم، ولعل تعريب السيناريو: ترتيب الحديث وتهيئته.
ومن الناس من يمتعه الحديث الكاذب، ويبحث عن الكذابين ويسعىٰ إليهم، وفي هٰذا حنين إلى الطفولة، وميل إلى السرد والقصص، وما كل من يحترف السرد والقصص مفن مقنع، وما أقل أساتذة هٰذا الفن!
ولما كان الكذب حرامًا شرعًا، ومعيبًا عرفًا، هرب منه بعض إلى التدليس؛ لأنه أخف وطأة، ولا يعاب إلا من ناحية علمية، وما أبعد أكثر الناس عن العلم ومناهجه! وما أخفى التدليس وأساليبه علىٰ عقول أكثر الناس في كل زمان ومكان!!
ليس من نيتي أن أكتب أو أشير إلىٰ كاذب أدركته، أو سمعت به، أو قرأت عنه؛ لئلا أغضب أحدًا.. ولٰكني أطلب منك أن تخلو بنفسك وتقرر: من أي الأصناف أنت؟ أكاذب أنت أم مدلس أم محب لهٰذا أو ذاك؟ وهل تود لو تخلو الدنيا من الكذب والتدليس؟!
لا تطلعني ولا تطلع غيري علىٰ شيء من محاسبتك نفسك، ويكفي أن تسعىٰ إلىٰ معرفتها أو تقترب منها.