مكانان أحببتُ أن تكون وفاتي في أحدهما!
قبل أن أذكر اسم المكانين، أدعو لكم ولنفسي بطول العمر وألّا يموت أحد منا قبل أن يعمّر مائة سنة وأكثر، ويطول به العمر في صحة وعافية. وأرجو السماح من القرّاء الكرام إن كان ذكر الموت يزعجهم. نادرًا ما أكتب عن الموت! على العكس تمامًا، أنصح الشبّان والشابّات بالعمل من أجل مستقبلهم مثل النمل.
قارب شهر رجب من هذه السنة 1444 هجرية أن ينتهي، وعلى غير العادة قرأنا عن أكثر من شخص توفاه الله إما في مكة المكرمة أو في الطريق إليها. نهاية يغبطون عليها وخاتمة حياة لا تتأتى لكلّ أحد.
في كل مرة أزور المدينة المنورة أو مكة المكرمة، لا تكاد تنقضي صلاة الجماعة إلا ويُعلن عن صلاة جنازة لأحد المتوفين. لا أعرف إذا كل المتوفين من أهل مكة والمدينة أم لا، لكن لا ريب أن فيهم غرباء قدموا للحجّ أو العمرة أو الزيارة ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ . لا يعلم الإنسان متى وأينَ وكيف يحين حينه وما يحل عليه من حوادث مستقبلية، مع ذلك يتمنى الإنسان أن يحين حينه في مكانٍ يكثر فيه الزوار ويُدفن قريبًا من مجاميع مؤمنة دفنت هناك على مدى التاريخ، وثمّة حقيقة وهي: شرف المكان بالمكين.
وجدتُ أحاديث جميلة جدًّا عن رسول الله ﷺ في هذا الشأن، أذكر اثنين منها:
الأول: ”.. ومن ماتَ في أحد الحرمين مكة أو المدينة لم يعرض إلى الحساب، ومات مهاجرًا إلى الله، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر“. والثاني: ”إنّ الله عزّ وجلّ يأمر يومَ القيامة أن يأخذوا بأطرافِ الحجون والبقيع، فيطرحَان في الجنة“.
في البلد ينساك الأهل والمعارف بعد فترة إلا فيما ندر! وهناك - في المدينة ومكة - لا يخلو المكان من زائر يسلّم ويدعو لعموم المدفونين، زوار تشم منهم رائحة النبيّ محمد ﷺ ورائحة الثلة من المقربين المرضِيين عند الله ممن دفنوا هناك.
إن الموت لا يعني في كل الأحوال خروج الروح من الجسد ونهاية الحياة، إنما بداية مشوارٍ طويل لا نهائي من الحياة يحتاج فيه الإنسان إلى أيّ سبب يخفف من صعوبات وآلام تلك الرحلة؛ فإذا كان المدفن في حجون مكة أو بقيع المدينة يساعد، بعون وبأمر الله، فلم لا؟ في بلدي وبين أهلي أفضل من الموت في بريّة خالية أو في بلد بعيدة، وفي مكة أو المدينة أفضل من بلدي!