قصتي منذ البداية
لقد أصبحت أشهر من نار على علم، أصبح كل العالم يعرفني ويعرفون قوتي ويحسبون لي ألف حساب، لكنهم لا يعرفون ما عانيته ومررت به في حياتي، ولا يعرفون قصتي الحقيقية. لقد عشت سنينا طويلة متخبطة في الخوف، التشتت والضياع وعدم الاستقرار. كانت روحي تائهة ومبعثرة. كنت أعاني من الجهل الذي أضاع عقلي وروحي والأمراض الخطيرة التي نخرت جسدي وأماتت بعض أعضائي. لقد انقضت عليّ أوبئة العصر وهاجمت جسدي الضعيف المنهك، فقاسيت من السل والطاعون وغيرهما من الأمراض لوقت طويل. ضعفي وتشتتي كان سببا لنشوء النزاعات بين أولادي الذين تفرقوا وأصبحوا يتناحرون ويتعدى بعضهم على بعض ويأكلون حقوق بعض. إضافة لذلك، لم أسلم من بعض جيراني الذين كانوا يحاولون أذيتي والقضاء علي للاستيلاء على حلالي وأموالي.
تنقلت وعشت في مواقع كثيرة من الجزيرة العربية، لكنني كنت تائهة لا أشعر بالانتماء. ثم ساقني قدري للدرعية التي شعرت في ذلك الوقت بأنها الموطن المميز الذي وجدت فيه ضالتي. عشقت الدرعية لجمالها وأصالتها التاريخية حيث كانت تضم الكثير من المعالم الأثرية العريقة إضافة لكونها ذات موقع حساس جدا حيث كانت نقطة الوصل التجارية بين شمال وجنوب الجزيرة العربية.
ما زلت أتذكر ذلك الحلم الغريب الذي حلمته تلك الليلة بأنني وسط نخل كثير مليء بعذوق التمر الناضجة المتدلية، تقف تحتها امرأة فاتنة تبيع بعض الفخاريات الجميلة وبجانبها رجل يبيع بعض الأقمشة والبخور. رأيت صقرا من بعيد جاء وحط على ساعدي بكل هدوء وأخذ ينظر لي. لم أكن خائفة منه، بل شعرت معه بالقوة والفخر. ثم رأيت فارسا مقبلا علي وهو يمتطي خيلا عربية أصيلة ويحمل راية خضراء يفديها بروحه كتب عليها «لا إله إلا الله، محمد رسول الله..»..
لقد عشت سنينا طويلة في ضياع وصراع وأمراض وتخبط، حتى جاء ذلك الشخص الذي انتشلني من كل ذلك. حتى جاء ذلك الرجل، صاحب الرؤية الثاقبة الذي لم شتات روحي المبعثرة وأشعرني بالاستقرار والانتماء. الرجل الذي جعلني أشعر بالحرية والعزة والكرامة والنخوة وبالأصالة والاعتزاز بالنفس. الرجل الذي علم أبنائي التكاتف والتعاضد، الذي علمهم حبي وحب الدفاع عن بعضهم البعض. حتى جاء الإمام محمد بن سعود وأنقذني في يوم ميلادي الحقيقي، يوم ضربت جذوري في عمق الجزيرة العربية وأصبحت راسخة كجبل أصم، يوم تأسيسي، أنا.. الدولة السعودية، يوم 22 فبراير 1772م.