آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 8:23 م

حاذي العطر أم الحدّاد؟!

راقب حركة النّاس في الطريق وسوف تلاحظ كم من السائقين ممتلئ بشيء ما - سلبي أو إيجابي - ويريد إفراغه في الطريق! راقب نفسك، هل تلوح وتبتسم أم تردّ عليهم بالمثل وأكثر؟ راقب أصدقائك في العمل، في الاستراحة، أينما شئت! سوف تجد المبتهج والمكتئب والمحبط!

النّاس بشر من لحمٍ ودَم، فيهم من يتحمل الضغط أكثر من غيره ويخفف ما به من ضغوط بطريقة لا تضره ولا تضرّ غيره. وفيهم من يُلقي أحماله ومتاعبَه ومشاكله على غيره فقط لأنه رأى من يرميها عليه، والفطن من يعرف كيف يبتعد عنه.

ولكي أقرب الفكرة أذكر نوعًا واحدًا يمكن القياس عليه: شخصان يعملان تحت رقابة شخصين مختلفين في العمل. الأول تحت رئيس مؤذٍ، يشحنه ثماني ساعات أو أكثر بكلماتٍ قاسية وضغط نفسيّ، ثم في الساعةِ الخامسة عصرًا يذهب الموظف إلى داره ويفرغ ما فيه من شحنات غضب على رؤوس أهله وولده والأصدقاء. الثّاني يعمل في بيئةٍ مريحة تفيض بالتشجيعِ والإبداع ثماني ساعات، ثم يذهب إلى مبتهجًا ويفرغ عليهم ما امتلأ به من طاقةٍ إيجابية. ولك أن تسأل: من شحنَ الرئيسَ الأوّل وبماذا؟ ومن شحن الثّاني وبماذا؟

فإذا كنت من الصنف الذي يفرغ ما في حمولته من سوالب على قفا غيره، خاطب نفسك: هل يحقّ لي أن أفرغها على غيري؟ ما ذنبهم؟ هل تستحق الدنيا أن أمشي حاملًا كلّ تلك الضغينة؟

كان لي صديق - قطيفيّ - يبيع العطور، إذا رغبت في عطرٍ قصدته، وقبل أن أشتري يبخّ على ثيابي عدة أصناف حتى تصير رائحتي مثل مَعطَرة! لهذا ضرب رسولُ الله ﷺ مثلًا لنموذجين فقال: ”مثل الجليس الصالح مثل العطّار إن لم يعطك من عطره أصابكَ من ريحه، ومثل الجليسِ السوء مثل القين إن لم يحرق ثوبكَ أصابك من ريحه“. يعني الأول يحمل خزانًا من الطيب، اقترب منه، والثاني يحمل خزانًا من لهب النار، ابتعد عن طريقه.

مهمّ جدًّا أن نبتعد عما يرميه النّاس فوق رؤوسنا وأن ندرك أنهم ليس بالضرورة يقصدون إفراغ خزان عواطفهم وتوترهم وسلبياتهم علينا نحن بالتحديد، وإنما صادف وجودنا في تلك اللحظة. ما أكثرهم، الممتلئين بالإحباط والغضب وخيبة الأمل وعندما تتجمع هذه الأحاسيس، يبحثون عمن يلقونها فوق رأسه أيًّا كان!

التفاتة: ألسنا نجالس أزواجنا - رجالًا ونساءً - أكثر من العطّارين والحدادين؟ ألا تكون تلك الصحبة خشنة مثل الصخر أو ناعمةً مثل الحرير ثم تؤثر على أمزجتنا؟

مستشار أعلى هندسة بترول