صفعكَ صفعة فهل تصفعه صفعتين أم تقتدي بكاظمِ الغيظ؟!
من المناظر المرّة والمضحكة في آنٍ واحد أن تسمع شخصين يشتمانِ بعضهما، يبدأ الأوّل بكلمةٍ صغيرة والثّاني يرد بصفحةٍ كاملة من الشتيمة. في بعض المجتمعات، يعتدي شخصٌ على آخر فيُتعدى على أكثر من واحدٍ من أهله وبطريقةٍ أفظع! تحدث هذه المناظر وأبشع منها في كل المجتمعات والثقافات!
خذ حقكَ بيدك! لا تسكت له! لا تكن جبانًا! أقوال نعتبرها من سماتِ الرجولة لكنها تحريض وتَقريب من النّار، فكم من طالبِ حقّ تجاوز الحدود وتورط مع النّاس والقضاء والله؟ ”ومعظم النّار من مستصغرِ الشرر“.
يقدم القرآن بطاقةَ دعوة للتسامح وإن لم يحصل التسامح فلا يجوز الطغيان في الردّ! ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ . قف! لا تتجاوز الحد، وجزاء سيئةٍ سيئة مثلها، ومن يعفو فقد تعهد الخالق بأن يعطيه من فضله الواسع، ويا لها من عطيّة مضمونة الحصول، على الله استيفائها، حيث أن الله سبحانه هو من يعد العافينَ بالأجر ويقول لهم: أجركم عليَّ أنا، لا تخافوا.
ولمن يستأنس بالدراساتِ العلميّة فإن نتائج الدراسات تقول أن المسامحة تجلب السعادةَ والرضا والصحةَ وطولَ العمر لمن يسامح!
الله لا يحبّ الظالمين أبدًا، لكنه يحب هداية الضالّين وتقوية أواصر المجتمع، والذينَ يكفون عن الظلم ويندمون على ما ارتَكبوه في الماضي، ويقومون بإصلاح أنفسهم، يحبهم الله وليس الظالمين الذين يزدادون جرأةً بواسطة هذا العفو.
خلاصة النصيحة: صفعكَ صفعةً واحدة، لا تصفعه صفعتين! قال لكَ كلمةً خاطئة، لا ترد عليه بعشرة أضعافها. البلاغة ليست في طول الردّ والقوة والرجولة ليست في غلظةِ وثخن الشارب وتجاوز الحدّ. البلاغة في حسنِ الكلام والقوّة في الصفحِ الجميل، واختصرها رسول الله ﷺ في قوله: ”ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب“.
النتيجة المرجوة هي أن الإسلام يقدم دعوةً حضاريّة تعطينا الحقّ في الردّ بالمثل وتمنعنا من التجاوز والمبالغة في الردّ ولن نجد بطاقة دعوة أجمل من العفو والصلح ثم الأجر من الله للمظلوم الراجي لجزيل الثواب. من الجليّ لكلِّ أحد أن هذا المبدأ الذي يجسد قيمَ التسامح والعفو أنه مبدأ من خارج النفس البشريّة وصعب التطبيق، وهنا تكمن ميزة أن يكون الإنسانُ إنسانًا أسمى وأرقى!
وأخيرًا، بشرى وطوبى لمن كظمَ غيظه وعفا. عنه ﷺ: ”إذا عنت لكم غضبة فادرؤوها بالعفو، إنه ينادي منادٍ يوم القيامة: من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلا العافون، ألم تسمعوا قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ“؟!
اشتهر الإمام موسى الكاظم عليه السلام وهو سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام بلقب ”كاظم الغيظ“ وذلك لشدّة كظمهِ الغيظ وعفوه عن الإساءة إليه.