آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

في ”موائد السماء“ لمحمد الدرازي..

رفض دعوة أوزبكي سوء أدب

عيسى العيد * مجلة اليمامة

من الهوايات المحبّبة لدى كثير من الناس هواية السفر، حيث لا تمرّ عليه سنة إلّا ويختار له بلدا يسافر إليها، ويستمتع بما يرى من مناظر مختلفة فيها، ويعيش بيئتها ويتعرف على الناس فيها ولا يرجع إلّا وهو محمّل بثقافة جديدة، لكنّ تلك المناظر تبقى في ذاكرته، لذلك تجده في كلّ مجلس يتذكر مواقف ومناظر شاهدها في تلك البلد.

ففي السفر ثقافات مختلفة وفوائد كثيرة، منها: بناء صداقات جديدة، واكتساب ثقافة مختلفة وممارسة تجارات متنوعة، وأبرز تلك الثقافات التعرف على عادات ذلك المجتمع الذي يعيش في ذلك البلد، منها البناء وفنون الطبخ وأنواع الأطعمة، وأبرز المنتوجات الزراعية، وما هي السلع الرائجة فيها وكيفية تعامل الناس مع زوار بلادهم.

الكاتب محمد الدرازي، سعودي الجنسية، أخذ على عاتقه كتابة ما يراه في أيّ بلد يسافر إليها، ويسجل أبرز معالمها ويروج لها عبر ما يكتب، إنّ ما يقوم به الدرازي، فيما أعتقد، درجة متقدّمة من الحالة الإنسانية، إذ يروّج ما يراه من ميّزات لتلك البلد، وينقلها للناس لكي يتعرّفوا على عادات الشعوب الأخرى ومعتقداتهم.

من تلك البلدان التي كتب عنها الدرازي جمهورية أزبكستان، حيث كتب عنها ثلاثة كتب، كلّ كتاب تحدّث عن عادة من عادات تلك البلد، واحد بعنوان: طريق الحرير، والآخر: تحت ظلال إجان كالا، والثالث: موائد السماء.

ينقل الأستاذ محمد تجربته في كتابه «موائد السماء» عن طقوس الضيافة في أوزبكستان وكرم مجتمعها، وقد جاء في مقدّمة الكتاب: "سيّان في أوزبكستان أن يدعوك رجل أو تدعوك سيدة، إنّ الضيافة لا تعرف ذكراً ولا أنثى، وببساطة شديدة جدًّا، إنّ من يدعوك إنسان ليس إلّا، إنّ الدعوة ما إن توجه لك فإنها تخرج من الأعماق في صدق تعكس معنى الضيافة الأوزبكية، إنّ كرم الأوزبكي جزء لا يتجزأ من التقاليد التي يفخر بها الشعب ويضعها في مرتبة أعلى من الشجاعة، لذا يعتبر رفض دعوة أوزبكي سوء أدب.

إنّ طقوس الضيافة الأوزبكية تعكس واحدة من أكثر العادات القديمة عالية القيمة التي ظلت على مرّ القرون".

اختيار الكاتب عنوان «موائد السماء»، اختيار موفق وجميل من الكاتب؛ تعبيرًا عن رقيّ الضيافة في جمهورية أوزبكستان، حيث نقل الكثير من قصص الضيافة وكيفية تسابق مجتمع تلك البلد لدعوة زوارها، حيث إنّهم يبادرونك بالدعوة، بل الأغرب من ذلك أنهم ينتظرون من يطرق أبوابهم ليقوموا بضيافته، يقول الكاتب: ”تعلّق طاسة صغيرة تسمّى «بيلّا» على الباب، تشبه عادة البدو في إشعال النار لاستقبال أيّ ضيف“.

قد جرّب الدرازي طرق أحد الأبواب ليعاين عن كثب ماذا يحصل عندما يطرق الباب المعلّق فيه ذلك الإناء، يقول: "فيما آخذ نظرة متعمّقة لمحت باباً مفتوحاً يطلّ على فسحة مشجرة وبوحي من نفسي بدون تردّد، طرقت الباب، فهال زوجتي الفعل، وجرّتني كي نبتعد، فمشيت خطوات دون أن أسمع أحداً يناديني سوى دقات قلبي، وراحت زوجتي تؤنبني، وما أخرسها سوى صوت انبعث من امرأة في الثلاثين حين نادت برفيع صوتها: تفضّلوا!

قالتها عدّة مرات وأنا متسمرٌّ في مكان دون أن أستوعب ما تقول، أو بالأحرى لم أفهم ما تقول.

واقتربت حتى حاذتنا دون أن تقول شيئاً بل أشارت بيدها نحو بيتها فانطفأت شعلة الغضب في أعماق زوجتي وبقيت واقفة دون حراك برهة وكأنّها تسأل نفسها: ماذا يحدث؟

عندما تقترب من ذلك المجتمع ليس بغريب عليك أيّ عادة تراها من حسن الضيافة عندهم، هكذا هم الأوزبكية".

إنّ نقل عادات وتقاليد مجتمعات أخرى إلى الناس لكي يتعرفوا عليها، دليل على وعي ناقلها وإنسانيته العالية، والأستاذ محمد الدرازي نقل التجربة في كتابه موائد السماء، الذي ينقل فيه القصص العجيبة عن مجتمع جمهورية أزبكستان معترفاً لهم بكرم الضيافة والخلق الرفيع، هكذا يكون السفر ذات فائدة لجميع الناس.

وقد صدق الشافعي حين قال:

تغرّب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائد:

تفرّج همٍّ، واكتساب معيشةٍ

وعلمٌ، وآدابٌ، وصحبة ماجد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
زكريا أبو سرير
[ تاروت ]: 16 / 2 / 2023م - 5:18 م
مقال رائع وجميل، أحسنت استاذ ابو هادي
2
هلال حبيل
[ تاروت ]: 17 / 2 / 2023م - 12:19 ص
موضوع جميل جدا وقد إشتريت من عنده كتابان قيمان أحدهما المذكور في الكتاب