جيش لا يسد مكان أخ!
من نعم الله أن يكون للإنسان إخوة وأخوات. نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، والأغرب من ذلك من يركل هذه النعمة برجله.
سألنا صديقًا لنا صباح اليوم: هل تاقَت نفسه واشتاق لإخوة وأخوات؟ حيث هو كان وحيد والديه! كان جواب صديقنا أن الفراغ العاطفي والشعور بالوحدة لم تملأه كل اللعب والهدايا التي اختصه والدها بها ولم يهن ذلك الشوق إلا بعد سنوات، مع الأصدقاء والمعارف والأقارب!
في الثقافة الشعبيّة يقال للأخ ”حزام الظهر“، فإذا عجز الأخ وانقطع ظهره عن القيام والنهوض فليس إلا الأخ يسنده ويشده وفي ذلك يقول الشاعر العربي مسكين الدارمي:
أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخاً لَه ** كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
وإِن ابنَ عمّ المرء فاعلم جناحُه ** وَهَل ينهضُ البازي بغير جناحِ
إذن بدون سلاح سوف يهزمك الجبناء ولو كنت أشجعَ الناس! وعلى هذه القيمة العالية، لا تخلو علاقة بعض الإخوة من خلافاتٍ مالية وعائليّة، وغير ذلك من رواسب تتسبب في إضعافها وإفراغهَا من قيمتها الماديّة والروحيّة!
رسالتي للآباء في هذه الخاطرة التالي: العلاقة السوية بين الإخوة نتاج تربوي يبدأ في علاقة الآباء بإخوتهم فإذا ما فشل الآباءُ في احترام بعضهم بعضًا فشل الأبناء، وإذا نجح الآباء نجح الأبناء. إذا كان العقلاء يعتبرون من لديه صديق مخلص فهو حظي، كيف إذن يفرط المرء بصداقة أخ؟ الاختلاف في الرأي لا يعني أنه يفسد للودّ قضية، والخلافات العابرة لا تهدم بنيان الأخوة، فإن أجمل موروث يرثه الأبناء الأدب والدين والمحبة وليس البغضاء والفرقة.
إلى جانب الفوائد الواضحة جدًا لكونك صديقًا لأخيك أو أختك، فإن وجود علاقة مع شقيق يمكن أن يكون تحسن الصحة وتطيل في العمر وذلك ما تذكره الدراسات العلمية. في دراسة مثيرة للاهتمام عن حياة 300 رجل، نُشرت نتائجها في دراسة هارفارد لتنميةِ البالغين أن 93 في المائة من الرجال الذين كانوا يتمتعون بحياة جيدة في سنّ 65 كانت لديهم علاقة وثيقة مع شقيق في وقتٍ مبكر من حياتهم. كما أثبت الباحثون أيضًا وجود صلةٍ بين العلاقة السيئة مع أحد الأشقاء خلال العشرين عامًا الأولى من العمر وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب لاحقًا.
إذن، من منافع العلاقة الطبيعية مع الإخوة والأخوات الصحة وطول العمر والعون والسند، وكل ما نراه من نزغ الشيطان بين الإخوة وإفساد علاقاتهم والسعي بينهم بالوقيعة هو أشجار حنظل يزرعها جيلٌ ويحصدها آخر بعده، والسؤال هو: ألم يحن الوقت أن لا نزرع تلك الأشجار؟ ماذا نقول في هذا الزمن الذي قلّ فيه فلاحو أشجار المودة؟!